رانيا يوسف – سوريا
قال مكسيم غوركي: “لا يوجد شيء مهم في حياة الناس غير المهمين”! ماذا يعفل غير المهمين في حياتهم؟ من يقضم أيامهم ويسم حياتهم بالتعب؟ من يكبلهم بالرضى؟
خلف خطوط معركتهم مع الحياة ثمّة حياة أخرى لهؤلاء المهمشين، حيث ينسحبون وقد تقوّست ظهورهم إلى معارك أقسى يلقّمونها أعمارهم، ويقومون بكل الأعمال التي تبدو تافهةً وحقيرةً نيابة عن الناس المهمين الذين عنّفتهم الأقدار بهم.
ولأنّ دورة تفريغ العنف هي منطق الحياة، سنجدهم في بيئاتهم الفقيرة فكرياً أو مادياً يتطرفون في ارتكاب الجرائم أو تبني القضايا.
“إن البلدان التي ترتفع فيها مستويات الفقر وانخفاض توفر الفرص تجبر الناس على إيجاد حلول أكثر خطورة ويأساً كما أنها مشكوك بها أخلاقياً، وتميل معدلات الجريمة إلى الانخفاض في البلدان الغنية وإنفاذ الشرطة المباشر والأحكام الصارمة على الجرائم وهناك علاقة بين العمر والجريمة ولاسيّما جرائم العنف حيث يرتكبها من تتراوح أعمارهم بين 20-30عاماً” ولأن الحياة تستخدم الفقراء لتغيير وجهها، سنرى إحساسهم بالظلم والدّونية ينفجر غضبا ورعونة كلّما سنحت لهم فرصة مدبّرة أو قدريّة.
بعضهم سيستميت في الدفاع عن قضيّة أو مبدأ يكون هو الشيء الوحيد الثابت في حياته، وبدونه ينهار عالمه، فيمسي بعين عقله غير مهم مثل كل الآخرين غير المهمين. إن الفوارق الفاقعة تنسحب أيضاً على الدول.. نعم دول بأكملها باتت دولاً رمّية، أراضيها مكبّات للنفايات وشعوبها حشرات هذه المزابل، وهنا تخترقني عيون المثيولوجيا بقوّة لتذكرني بصدقها المفجع.
عندما قسمت العالم إلى عالمين لا ثالث لهما: عالم علوي حيّ وعالم سفليّ ميت وعفن لربّما نحن غير المهمين المدفونون تحت قرون من القهر والذل والجهل، والذين صار الصبّر ملحنا وفاكهتنا، ربّما يأتي يوم يُنبت لنا اليأس فيه أنياباً نعضّ بها كلّ من يعتقد أنه منّا أهم.