31 يوليو 2023
يزن احمود محمود راضي – كاتب وصحافي أردني
إلى جهاز قطاعة الورق يومئ المدير لسكرتيره عندما يعرض عليه هذا الاخير بطاقة دعوة تخص مؤتمرا ما. فلا يجشم نفسه حتى عناء نظرة الفضول، بل يطلب منه عدم وضع دعوات كهذه في البريد اليومي مرة أخرى، وتحويلها فورا الى سلة المهملات!
هذا المشهد يتكرر كثيرا في مكاتب معظم المسؤولين ليس في الهيئات والمؤسسات الحكومية فقط بل ايضا في الكثير من المؤسسات والشركات الخاصة.
والسؤوال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا الإطار هو: لماذا تعاني صناعة المؤتمرات في الوطن العربي نم التدهور وانعدامية الانتاجية ابتداء من مؤتمرات القمة السياسية وانتهاء باجتماعات القبالة القانونية؟
وهل المشكلة في ضعف تنظيم تلك المؤتمرات ام أن مانعا قبليا يقف دون الاستفادة منها كاختلاف الرؤى أو عدم وجود إرادة حقيقية لإنجاحها؟
في طريقنا للإجابة على هذه الأسئلة سنحاول فيما يلي القاء الضوء على معوقات نجاح المؤتمرات وأساليب تجاوزها رغبة في طرح هذه المسألة على طاولة البحث العملية وذلك بالتركيز على وجهة النظر التنظيمية، كونها العامل الحاسم في نجاح أي مؤتمر.
بدايةً، يجب الإقرار بأن الحاجة الى مؤتمر معين هي ما ينبغي أن يكون المحرك نحو تنظيمه، ونحن نشير هنا بإصبع الاتهام إلى تلك المؤتمرات المجانية التي يجري عقدها دون وجود احتياجات عملية تفرضها، فتتحول إلى تظاهرة شكلية لا عائد منها إلا إنهاك ميزانيات الجهات المنظمة ببنود إضافية تستهلك مقدراتها.
بعد الحاجة ينبغي النظر إلى إدارة تحضير المؤتمر وفي هذا الإطار علينا أن نقر بصوابية بعض المبادئ:
1ـ يرى الإداريون المتخصصون أن نجاح إدارة التحضير في أي مؤتمر هو رهن بمركزية القرار أي ان الترتيبات المتخذة يجب أن تنطلق من شخص واحد هو ما يطلق عليه اسم “المنسق العام”، وقد أثبتت التجربة أن هذا الشخص ينبغي أن يتمتع بصفات خاصة، أهمها الحيوية والحكمة وقوة الشخصية، وأن يكون محور قبول واستحسان من قبل أكثرية الأشخاص أو الجهات المشاركة في المؤتمر، وتستعيض المؤتمرات الضخمة عن هذه الشخصية بلجنة تمتلك الخصال نفسها.
2ـ لابد في إدارة التحضير من اعتماد مبدأ التخصصية أي إسناد المهام المختلفة التي يتطلبها التحضير الناجح الى المتخصصين، كل في مجاله وذلك اعتمادا على مبدأ اللجان الفرعية.
3ـ ضرورة إنشاء مركز أعمال يشرف عليه متخصصون تنظيميون تصب فيه كل نتائج الأعمال التحضيرية المتخذة وذلك في جداول زمنية محددة التوقيت للتمكن من تحديد نسبة الإنجاز والتحضير بين مرحلة وأخرى.
4ـ على اللجان المتخصصة مباشرة أعمالها قبل وقت كافٍ حتى لا تضطرب أعمال التحضير وتلافيا للمستجدات التي تتطلب أوقاتا خاصة لمعاجتها.
العنصر الثالث الحاسم في نجاح المؤتمرات هو عنصر المتابعة الذي يتم خلال سير المؤتمر وتضبطه مجموعة من العوامل:
1ـ الالتزام بجدول الأعمال: وهو أمر تعاني من فقدانه معظم المؤتمرات العربية، وذلك بالنظر الى التشتت الذي يطرا على محاور الموضوعات المطروحة نتيجة عدم معرفة المنظمين لأولويات الطرح لدى الجهات المشاركة وهنا ينبغي التشدد في التقيد بما هو مطروح على جدول الاعمال وعدم السماح بتجاوزه تحت أي ظروف وهي من مهمات رئاسة المؤتمر.
2ـ ضبط الوقت: عامل أخر في نجاح المتابعة خصوصا وأن اضطراب الميزانية الوقتية في المؤتمرات كثيرا ما يقود الى التشتت ويضيع الفرصة في سماع وجهات نظر مهمة من بعض الاطراف المشاركة. ان مهمة ضبط الوقت منوطة فعليا برؤساء الجلسات وقدرتهم على ادارة الحوارات.
3ـ إثارة النقاشات: ينبغي على المنظمين لأي مؤتمر أن يحرصوا على إحياء المناقشات واعطائها حقها الزمني وتوفير الظروف الملائمة لإنعاشها، فبها وحدها تتفاعل النتائج وترتفع قيم المردودية.
إن معظم المؤتمرات الفاشلة تتخذ شكل محاضرات تلقيها بعض الأطراف دون تحقيق المشاركة التفاعلية من الأطراف الأخرى.
4ـ التدوين والتقارير: النقطة الأخيرة الواجب عدم إهمالها في مرحلة المتابعة هي مهمة تدوين الوقائع حرفياً دون إغفال أيٍ من حيثياتها للاستفادة من كل الآراء والأفكار التي تم تداولها في المؤتمر وتضمين المهم منها بيان التوصيات.
اما العنصر الأساسي الذي يمنح للمؤتمر عوائد ويعطيه مضمونه وجدواه فهو فاعلية التوصيات، إذ أن أول ما يؤخذ على المؤتمرات الفاشلة هو خروجها بتوصات هزيلة لا تلبي الآمال المعقودة عليها او اعتمادها نوعا من التوصيات العامة والفضفاضة التي لا تعدو كونها مادة للاستهلاك الإعلامي دون الدخول في مساحة الجدوى العملية.
ونجاح التوصيات في مناقشة المراد تحقيقه هو أمر مرتبط في المقابل بتوافر العناصر السابقة كلها اضافة الى اختيار العناصر الخبيرة وذات الكفاة للجنة صياغة لاتوصيات.
بعد استعراض ومناقشة عناصر نجاح تنظيم المؤتمرات لابد من القول إن توفير كل تلك العناصر لا يعني بالضرورة نجاح المؤتمر الذي نزمع على عقده، إذ أن عوامل أخرى ينبغي أخذها بعين النظر والاهتمام وهي لا تقل أهمية عن سابقاتها لكنها تختلف عنها بالطبيعة والهدف، ويمكن إجمالها في ما يلي:
- توافر الإرادة لدى كل الأطراف المشاركة في الخروج بنتائج مرضية تعكس إجماعا نسبيا حول مختلف الموضوعات المطروحة.
- الحرص على توفير الإمكانات المادية اللازمة دون أي نقصان. وهنا لا تخفى عن الاعتبار التكاليف الكبيرة للمؤتمرات والتي تستوعب بنود صرف كثيرة تتنوع بين مصروفات الاستقبال والضيافة وتجهيز القاعات وتوفير المطبوعات والخدمات الإعلامية وغيرها من البنود.. فعقد مؤتمر للقمة العربية مثلا تتجاوز تكاليفه عتبة المئة مليون دولار.
- الدقة في اختيار مكان وزمان عقد المؤتمر وذلك بعد دراسة واقعية لمختلف المعطيات والظروف وذلك لما لهذبن العاملين من دور كبير في تحديد الجدوى المتظرة منه.