13 يوليو 2023
أمامة أحمد عكوش – كاتب وصحافي سوري
تتحرّك ريشتها بكل بساطة وعفوية، ومع ذلك نلحظ العمق بفنّها بمعانٍ فلسفية، فـ تعابيرها تتخطّى المرئيات، لتعزف على أوتار روحية، وأدواتها مستوحاةٌ من الطّبيعة والمكنونات البيئية، لتشكّل عبرها “البوب آرت والنّمنمة الفارسية، والغرافيك والتّجريد والزّخارف الرّمزية”، الفرح جليٌ.. بمساحاتها وخاماتها اللونية، وبالأصالة رفقة المعاصرة للوصول لحداثوية تصويرية. بدأت الرّسم تلميذة في الإعدادية، ولا تزال ريشتها نابضة حتّى يومنا، عنوانها وقبلتها سورية.
شغف
أن تنقل محبّة جمال الطّبيعة بكلّ مكوّناتها من خلال الألوان والخطوط والرّموز، هو هاجس وفكر وفنّ عناية البخاري، الذي تبني عليه أعمالها، عبر أجمل الأوقات في حياتها، وهي تلك التي تقضيها في مرسمها بين ألوانها ولوحاتها. للوحتها حركة في أكثر من فضاء، أبرزها المتعة البصرية، التي تجنح إليها بدرجة أكبر من غيرها، مستهدفة رضاها الدّاخلي، وعين المتلقّي، لتأخذه إلى مكامن رمزية ذات محتوى متنوع، منها التّراثي الموضوعي، والرّوحي الذّاتي، بما تحمل هذه الإشارات من ارتباطات سورية بالمكان في أبعاده الحضارية والجمالية، كما أنّ الأهمّ في هذا الجنوح الجمالي، هو حالة الشّغف التي تأسرها بمخزون نفسي خبراتي عالي الذّائقة، يجمع في الوقت ذاته، بين مفردات العالم الدّاخلي والخارجي، بلغة بصرية حداثوية، حيث تقترب من إيقاعات “البوب آرت والنّمنمة الفارسية” في التّجريدات الحرّة المقاربة للسجاجيد التي تقدمها في بعض أعمالها، وإن كان يطيب للبعض توصيف أعمالها بالغرافيكية.
الجرار!
البخاري التي تستحضر في حديثها لـ “نص خبر” بداياتها في عوالم الفنّ، وصولاً إلى بلورة تشكيلها كما أحبّت ولا تزال، بالقول: “بداياتي كانت كهاوية للرّسم في مرحلتي الإعدادية، ومن ثمّ عبر عملي الأوّل في الرّسم الهندسي، وبالتّالي فقد كانت بالحبر الأسود المائي، ومن ثمّ انتقلت إلى مرايا الحفر، وقدّمت عدداً من الأعمال والمعارض عبر العمل على مرايا الحفر، والذي يُطلق عليه التّصوير بالحفر عبر المرآة، وطباعة الشّاشة الحريرية، والتمازج بين الحفر والطباعة.. أستخدم أدوات الحفر بطريقة نظرتي للتّصوير، وهو أنّي أوظّف الحفر ليخدم العمل الفنّي وفق رؤيتي الخاصّة، الحفر بالعموم.. هو عبارة عن طباعة بنسخ متعدّدة، أمّا أنا فأقدّمها كنسخة واحدة متكاملة في لوحة واحدة، أفعل ذلك عبر استخدامي لألواني وأفكاري التي أطرحها كنظرة تصويرية للعمل الفنّي الخاص بي، ومن خلال اعتمادي على الاكريليك المتداخل مع الطّباعة. وصولاً إلى فكرة الجرار الزّيتية، الجرار.. التي من خلالها أحاول النّفاذ إلى جوهر الأشياء، بما تحمله من رمزية الدّاخل ‘النفس الإنسانية بكل أسرارها’، وما في جعبتها من معانٍ الحب”.
الزّخرفة .. الأصالة والمعاصرة
أمّا عن الزّخرفة في لوحاتها والأطروحات الحداثوية التّصويرية، تقول البخاري: “الزّخارف.. أنتهلها من الطّبيعة السّورية الخلّابة بكلّ مناخاتها، ومن الأبنية السّورية القديمة، ومن الشّرقيات المليئة بالزّخم الجمالي – لكوني ابنة الشّرق _ آخذها وفق رؤيتي العصرية الخاصّة، وأضعها في اللوحة، معتمدةً على المواءمة بين الأصالة والمعاصرة، كما أنّي أحبّ الطّبيعة الغنية بمفرداتها جداً، أحاول تجسيد هذا الغنى الكبير عبر تبسيط رموزها وفق رؤيتي التّصويرية الزّيتية، بخط ونقطة ودائرة ومنحني، ومن خلال هذه الأدوات، أرى أنّي في جوهر مكنونات الطّبيعة”.
حلم!
أعمال البخاري الفنية، حلم مشروع تحاول أن تشاركه مع الآخرين، والصراع في قاموسها موجود في الحلم كما في الواقع، وعبّرت عن ذلك في أحد معارضها الذي حمل ذات العنوان “حلم” بالقول: “سورية الآن لديها حلم، هو أن تعود الإنسانية إلى ما كانت عليه، فالزّهريات هي عبارة عن طين، والطّين مرتبط بالإنسان والوطن، فيشعر المتلقّي بأنّها بشر لهم حياتهم وجوّهم, مجموعة من الزّهريات المتداخلة تشكّل عائلة، ثلّة من الأصدقاء تجمعهم المحبّة، هذا هو الحلم المشروع، والتّطلع إلى المستقبل يجب أن يكون دائماً بإيجابية”.
مبدأ .. عفوية
“لا يوجد اختلاف في الفنّ والفكر بين المرأة والرّجل” وفق هذا المبدأ وهذه الفلسفة، تعبّر البخاري عن الذي تريده في معارضها ولقاءاتها، وهو ما تعتبره مبدأ علينا الإيمان به، والعمل جاهدين بكل ما أوتينا من إمكانات وفكر وقوة على تحقيقه، إضافة إلى العفوية “أحبّ العفوية في الحياة العادية وكذلك في العمل الفنّي، عفوية الفكرة والمضمون، أحبّ المكنونات والأشياء الدّاخلية التي أراها بنظرتي الخاصّة للأشياء والشّخوص من حولي وكذلك للألوان المحيطة بنا، وهو ما أقوم بتفسيره من خلال لوحاتي، أحاول جاهدة ألّا أنقل إلّا الجمال المحيط بنا” وبهذه الكلمات تُشَرِّح العفوية والجمال، التي تؤكّد أنّهما أساس أعمالها.
الأشكال الهندسية
ولجهة اشتغال عناية البخاري على الأشكال الهندسية بأحجام متنوعة، بين المتوسط والكبير والجداري الضخم، بأسلوب تجريدي يعتمد الأشكال الهندسية وعلاقاتها مع بعضها في فلسفة بصرية متناغمة مع اللون والطّباعة، تلفت البخاري إلى أنّ “اهتمامها بالأشكال الهندسية نابع من وجودها في الحياة، سواء في عمارة الكون، أو في عمارة الأرض، وأنّها تسعى لتقديم رؤيتها الفنية حول هذه التشكيلات بأعمال كبيرة، لما له من تأثير في توليد الشّعور بالرّاحة والحرية من جهة، وفي توصيل الفكرة بشكل أفضل للمتلقّي من أخرى”.
سيرة
يُذكر أنّ الفنّانة التّشكيلية عناية البخاري من مواليد دمشق 1960، زوجها الفنّان التّشكيلي الرّاحل نذير اسماعيل، لديهما (ثلاثة صبيان، وابنتين)، عضو في جمعية أصدقاء الفنّ، وفي إتحاد الفنّانين التّشكيليين السّوريين، شاركت في عديد الملتقيات السّورية، منها ملتقى قلعة دمشق 2016، والعربية، منها ملتقى إهدن عام 2010، وأقامت معارض شخصية في دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس، وفي اسبانيا، علاوةً على مشاركتها في معارض جماعية داخل سورية، وعدد من العواصم العربية والعالمية، أعمالها مقتناة من وزارة الثّقافة السّورية ومن متحف قطر، ومن عديد الدّول منها: الأردن _ لبنان _ العراق _ الكويت _ الإمارات _ تونس _ فرنسا _ إسبانيا _ اليونان _ هولندا _ النّمسا _ أمريكا.