عرضٌ مسرحيٌ دون ستارة! – جهينة العوام

5 أوغست 2023

جهينة العوام – كاتبة سورية

كان عرضا مسرحيا في الهواء الطلق، كل الحضور يجلسون على كراسٍ متحركة، لا أعرف التسمية الصحيحة لهذا النوع من العروض المتواصلة المرتجلة، مسرحاً عبثيا أو عدميا أو…

الإضاءة اقتصرت على ضوء الشمس ،الأصوات متداخلة معجونة بالنحيب والصراخ والهمس والشعر والآذان والشتائم الموزعة موسيقياً. الستارة مرفوعة ، وفي منتصف الخشبة حاوية قمامة خضراء نجت من الرعي الجائر، داخلها طفل في الثامنة بارع الأداء يخطفك منذ النظرة الأولى كان يحاول تغيير تسريحة اللحظة، فعقص جديلتها للخلف كيفما اتفق بتوتر،قص لها غرة خفيفة ،كان منهمكا بتكرار محاولة تحليتها، يبحث عن شيء ما، ربما شيء يسكت جوعه.

غاب عن نظر الجمهور وغطس بين النفايات، ثم خرج بزجاجة عطر فارغة، فركها بثيابه وحكها بظفره ليقشر شيئا التصق بها، وضعها على حافة الحاوية بعناية مخافة أن تنكسر، وغاب من جديد بين الأكوام، ثم ما لبثت ملامحه تظهر تباعاً، كانت الإضاءة تحاور الظلال بينما طفل الحاوية يمسك قبعة كبيرة، ويفركها ويوازنها كي يعيد تدويرها، وضعها على شعره وتأكد من مقاسها، وبمشط منزوع الأسنان صفف شعره، كان موهوباً بالفعل ظننت لوهلة أنه أمام المرآة، بدأ يظهر أكثر من نصف جسمه من الحاوية، كان يبتسم وهو يرش العطر ويعتمر قبعة ملونة، ثم وبحماس مفرط مزق كتاباً، أو بالأصح عدة كتب ثم بكلتا يديه كان ينثرها للأعلى فتتساقط أوراقها عليه، كان جسده يرتفع فوق الأكوام وهو يقفز للأعلى ويهبط، يقفز ويهبط وفي ‘حدى يديه يمسك بالقبعة.

صرخة عالية، وغاب طفل الحاوية، والجمهور على كراسيه المتحركة منشغل بإيجاد مخرج يريحه من هذا العرض المتواصل المرتجل. لم تسدل الستارة، ولم يصفق أحد، فجأة لمحت يديه تتشبثان بالحافة، خُيّل لي انه كان يجر جسده، لفتتني براعته وهو يجلس على الحافة ويرفع إحدى قدميه نحو صدره، كان الدم يسيل بشدة بينما الشمس تميل نحو المغيب وظله يتطاول حاجبا المخرج الوحيد؟

مزق كمَّ قميصه، وربط قدمه بعد أن انتزع منها قطعة زجاج كبيرة، رفع رأسه ،ظننت أنه ينظر باتجاهي، لكنه كان يحدق إلى شيء لا يرانا. سيارة مسرعة لامعة، مرت بسرعة مذهلة، رمى أحدهم من نافذتها كيسا، تطاير ما بداخله من أوراق، وصلت إحداها لطفل الحاوية الخضراء والتي كتب عليها بخط أصفر (بلدية دمشق)، في ذاك المكان ووسط أكبر ساحتين في المدينة، على الشارع العام، قدّم عرضا سورياً صامتاً، حضره الكل ولم يحضره أحد. وهو يدخن نصف سيجارة ويحمل قبعة وزجاجة عطر ويقرأ ورقة دعوة أمسكها للتو: بشرى سارة: افتتاح أول فندق ترفيهي للقطط بدمشق!

قد يعجبك ايضا