“طائرة البوينج” ليست شجرة” فى ديوان عبدالرحمن مقلد

27 أبريل 2023
سامح محجوب / القاهرة

طائرة البوينج» ليست شجرة» في ديوان عبد الرحمن مقلد
ينحاز الشاعر المصري عبد الرحمن مقلد، لشجرة الصنوبر الأفغانية على حساب الطائرة الشحن الأميريكية العملاقة “بوينج سي 17 جلوب ماستر”، حد وصفه الشجرة بالأم التي نتعلق في رقبتها بينما الطائرة زوجة أم قاسية، وذلك في ديوانه الجديد الصادر حديثاً عن دار المثقف للنشر والتوزيع المصرية، كما يظهر من العنوان.
وهذا الديوان الرابع للشاعر الحائز على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 2018. يحمل غلاف الديوان لوحة بعنوان «الهروب من أفغانستان» للرسام الأردني عماد حجاج، والغلاف من تصميم الشاعر محمد سادات التوني.
في القصيدة التي تحمل عنوان الديوان، «بوينج سي 17 غلوب ماستر ليست شجرة»، يتعامل الشاعر مع حادثة مؤسفة لسقوط مواطنين أفغان تعلقوا في جناح الطائرة فيما يعرف بيوم الهروب الكبير، وهو يوم انسحاب القوات الأميركية من العاصمة كابول. تتعامل الأولى تحت عنوان «أبناء صنوبرة»، مع مشهد سقوط الأفغان من طائرة الشحن الأمريكية العملاقةمقلد شجرة الصنوبى، وبالتالي تنتصر الصنوبرة هذه المرة على طائرة الشحن التي لم تستوعب الهاربين فهي ليست بالتأكيد شجرة، ليست أمًا حنونًا، بل هي قاسية وملساء وليس لها لحاء خشن يمسك فيه المتعلقون الذين سقطوا ولم يدر أحد أين ذهبوا.

نحن ثلاثةُ أفغانٍ
خانَهم الحدسُ
فحسِبوا
طائرةَ «بوينج» الأمريكيةَ
تملكُ روحَ صَنَوْبَرةٍ
فتسلقَ كلٌّ منا
واحتضنَ الشجرةَ في داخلِه
وتفيأ ظلَّ جناحٍ
لكنَّ السطحَ الأملسَ لمحرِكها
ليس لحاءً يقرأُ نبضَ قلوبٍ خائفةٍ
ليميلَ الجذعُ الخشنُ
فروعًا نمسكُ فيها
الشجرةُ تملكُ قلبًا
أما الطائرةُ
جهازُ تحكمِها لم يدركْنَا
..
الطائرةُ «زوجةُ أبٍّ» قاسيةٌ
والشجرةُ أمٌ نتعلقُ في رقبتِها
حتى لا تخطفَنا الريحُ
ولا تأخذَنا الأرضُ
ولا يفتتنَا العشبُ الأخضرُ
نسقطُ
أو نتحطمُ
لكنا نبقى
أبناءَ صَنَوْبَرةٍ تبكي
إن أدركنَا الموتُ
شريفًا
لا يلتقطُ ثلاثة أفراخ تتوسدُ ريشَ جناحِ الطائرةِ

يضم الديوان 17 قصيدة، أولها قصيدة «مصالحة السماء والاعتذار للصخرة»، ويحاكي الشاعر فيها أسطورة سيزيف، ولكن هذه المرة لا يبدو سيزيف ساخطاً، ولا تبدو الصخرة عقاباً أبدياً، يحملها لأعلى الجبل وتسقط، دون هدف، سوى أن يتعذب سيزيف بلعنة حمل الصخرة على ظهره، نظير ما اقترف بحق السماء.
في قصيدة عبد الرحمن مقلد يبدو سيزيف أباً يحمل الصخرة، مبتسماً، وشاكراً لها، ومتصالحاً مع مصيره كأبٍ عليه أن يتحمل كل هذه المشقة من أجل أبنائه وزوجته الذين ينتظرون عودته في المنزل، وهو ما يظهر من إهداء الشاعر القصيدة إلى كل أب مصري.
يقول مقلد:
صنعتُ مصِيري بذاتي
تقدمتُ للصخرِ
ملْتُ إليه
شكوْتُ
اتكأْتُ
وكممتُ وجهي
نزفتُ اخضرارَ الطفولة
كتّفْتُ حلمي
وأخْضَعْتُه بعَصَايَ
وخُنْتُ رفاقَ هواي
كتمتُ دموعِي
جززتُ
وأغلقتُ عيني
ثم تملحتُ بالعرقِ الحَي
حتى نشفتُ
وأكملتُ حظي
عرفتُ طريقاً طويلاً إلى السوقِ
أحرثُه ثم أرجعُ
أضحكُ حتى أخدرَ بالابتسامِ
وأنسى موازينَ تجذبُ رجلي للأرضِ
ظهري تعامدَ بالصخرِ
روحي مكبلة ببلوغِ الكفاية
حتى أعودَ نظيفاً من العارِ
لا أتنفسُ ملءَ الهواءِ
لكي أحفظَ الأكسجينَ
لأبنائي الواقفين على الباب ينتظرون رجُوعِي
يدورن حوْلِي
ويغتفرون الغيابَ الطويلَ
يضم الديوان قصائد أخرى، من بينها: «تلك اليد»، و«أنت السيد في هذا الحلم» و«ذئبة وول استريت» و«بوينج سي 17 غلوب ماستر ليست شجرة» و«على إيقاع بوهيميا شارل أزنافور» و«تقرير من الكهف».
وسبق وصدر للشاعر عبد الرحمن مقلد ثلاثة دواوين هي: «مساكين يعملون في البحر» و«نشيد للحفاظ على البطء» و«عواء مصحح اللغة»، وفاز مقلد بجائزة الدولة التشجيعية وجائزة قصور الثقافة لأفضل ديوان وجائزة المجلس الأعلى للثقافة وجائزة المكتب الثقافي المصري في باريس لأفضل قصيدة عربية. وشارك في عدد من المهرجانات والملتقيات في مصر وخارجها، من بينها مهرجان جرش بالأردن وملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي.

قد يعجبك ايضا