سارة الزين: ربما أصبت بلعنة اللغة!

30 يوليو 2023

حاورها: هاني نديم

في لقائي الأول مع الشاعرة سارة الزين كانت تتكلم كيف أنها لم تجد موقفاُ لسيارتها في معرض الكتاب، وتشرح بالعربية الفصحى تبعات الموقف، وأنا أنصت لها معتبراً أنها ربما تكلمني بهذه الطريقة كوني شاعراً، لأفهم فيما بعد أنها لا تتكلم إلا بالعربية الفصحى وهذه حالة نادرة لا نراها كثيراً، خاصة وأن سارة تحمل الجنسية الفرنسية وتعلّم أولادها في مدارس عالمية وتضع بين أيديهم كافة الحلول التقنية المتطورة، إلا أن اللغة العربية تحيط وتدور في منزلهم بشكل يدعو للفخر وإعادة التفكير بعلاقتنا مع اللغة العربية.

تتسنم الشاعرة اللبنانية سارة الزين اليوم منصب مدير عام لواحدة من أهم المؤسسات الثقافية ودور النشر في الخليج والوطن العربي، دار مدارك للنشر والتوزيع التي أصبحت مركزاً أضاف للمكتبة العربية العديد من العناوين المهمة.

حاورتها حول الشعر واللغة، سألتها:

  • تتكلمين العربية الفصحى في حياتك اليومية، سأبدأ من هنا، من فتنة اللغة وسحرها، والمواقف التي تواجهينها يومياً مع العامة، أطرفها وأغربها، لماذا تصرين على الفصحى في حياتك اليومية وكيف تصفين علاقتك مع العربية؟

– لعلّني أُصبتُ بلعنة اللغة!
واقعًا، هي وصيّة والدي حفظهُ الله الذي طلبَ مني أن أتمسّك باللغة العربية الفصحى وأن أتواصل بها مع أهل الشعر والأدب والثقافة، ظنًّا منه أنّ الحصانة اللغوية ستُبعدُ عنّي مريدي السوء أو من يسعى الى غير الثقافة واللغة والأدب معي! فلبّيته حُبًّا من دون تردّد، وقد أدّى ذلك الى نتيجتين متباينتين تمامًا!

أمّا عن النتيجة الأولى، فهي سلبية عليّ، فالبعضُ استفزّه ذلك، ووجد فيه نوعًا من الحاجز الذي يحول دون تطوير التواصل والعلاقة، والبعض الآخر وجده مربكًا ومزعجًا، وهناك من تنمّر وسخر من هذا النوع من التواصل، واعتبره يشبه المسلسلات المكسيكية، أو أفلام الكارتون..! وهناك من اعتبره نوعًا من التكبّر والعجرفة!

أمّا عن النتيجة الثانية، فهي إيجابية، فالبعض يُسرّ حين تتحدّث إليه بالفصحى، ويستمتع بها، وهناك من يستسيغ تداولها في اليوميّ، ولا يستفزّه ذلك أبدًا بل يجد فيها لطافةً أنيقة، خصوصًا أنّي لا أستخدم مصطلحات ثقيلة أو صعبة أو قديمة.. وهناك من يراها علامة مميّزة ومختلفة لديّ…

وبين هذا وذاك، تحصل مواقف غريبة، كأن مثلًا في إحدى المرّات، كنتُ أتواصل مع شخص بالفصحى ففضّل أن يُجيبني بالإنكليزية مع أنّه عربي، ويعمل في الشأن الثقافي، فضحكت وأكملتُ التواصل بالعربية، الفكرة هي أنّني لستُ أتقنُ اللهجات العربية ولا أعرف أغلبها، ويستعصي عليّ فهم الكثير منها، لذلك حين يستخدمون معي اللهجة البيضاء، تتيسّر أغلب أمور الفهم، وواقعًا، لغتنا العربية موحّدة في كل الدول العربية، ولكننا شعّبناها بكثرة اللهجات، وهذا الأمر له خاصّيته وجماليّته، ولكن ليس على حساب تغرّبنا عن لغتنا الأساس.

من يستسهلون الكتابة وحين يعصى عليهم العمودي والتفعيلة يلجأون الى الكتابة النثرية ويدّعون أنّه الشعر.. الأمر أصعب من هذا بكثير!

  • تكتبين العمود الشعري رغم كل هذه الحداثة التي تعيشينها في حياتك الشخصية، فأنت مديرة واحدة من أهم دور النشر، علاقتك بفرنسا علاقة مواطنة وهي بلد قصيدة النثر، حدثيني عن هذا.

– أنا أكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة كما وأني أيضًا أكتب القصيدة بالنثر، غير أنّ تجربتي في القصيدة بالنثر هي تجربة خجولة جدًا، تحتاج أن تنضج أكثر كي أتجرّأ على نشرها، والمشكلة أيضًا أنني بنت الإيقاع والموسيقى، ليس من السهل الخروج عنها لكي أدخل عوالم نثرية شعريّتها متحرّرة من زاوية، ومقيّدة من زاوية أخرى، والقيد الآخر لن يدركه إلا الراسخون في الشعر، القارئون الحقيقيّون له، وليس من يستسهلون الكتابة وحين يعصى عليهم العمودي والتفعيلة يلجأون الى الكتابة النثرية ويدّعون أنّه الشعر.. الأمر أصعب من هذا بكثير! هو وعيٌ جهولٌ وإدراكٌ غائب وشعوذةٌ ملموسة، وتمرّدٌ عن فهم ولكن من دون تخطيط! الشعر بكلّ الأحوال هو انقلابات وجنون وانكشافات واحتراقات وولادات متعدّدة! يصعبُ وصفه أو فهمه، يُشبه الروح الذي علمُه عند الله، يشبه الشيء الذي إذا ما وصفناه علّبناه وحجّمناه وهو أوسع من ذلك كلّه!

 

  • كيف ترين المشهد الشعري اللبناني أولاً والعربي ثانياً، ولماذا لا تترجم أعمالنا إلى الغرب بما يكفي؟

– المشهد الشعري اللبناني يبشّر خيرًا، غير أن الظرف في لبنان لا يساعد على احتواء المواهب الرائعة الموجودة والذي راح يتّخذ بعضها منحىً استعراضيًّا بعيدًا من جوهر الشعر، أمّا عربيًّا، فما تشهده المملكة العربية السعودية على وجه التحديد هو انتصار حقيقيّ للشعر والأدب والحرف واللغة، وهو نهضة غير مسبوقة وتبشّر بالكثير…
وبالنسبة الى الترجمة، فمن الخطوات الطيّبة التي تقوم بها المملكة هنا هو دعم ترجمة الكتب، وحاليًّا في مدارك نحن في صدد ترجمة ٦٠ كتابًا من اللغة العربية الى اللغات العالمية ومما نعمل عليه هو: الفرنسية، الإنكليزية، الألمانية، الإيطالية، الإسبانيّة، والصينيّة..
ومن بين هذه الكتب ٤ دواوين شعرية، وهذه مبادرة إيجابية تفتح الآفاق وتعين على إيصال الحرف العربي الى العالمية، ولكن نتمنّى بصدق أن تُعمّم هذه المبادرات وتتوسّع في كلّ البلاد العربية، وأن يتمّ تسليط الضوء على هذه المجهودات الفكرية المبذولة لأنّ الإبداع العربي يستحقّ أن نسلّط عليه الضوء أكثر!

أحلامي ولودات وخيباتي كثيرات.. وأحزاني هنّ بناتُ وحيي أربّيهن وأطعمهنّ من روحي

 

  • ما مشروعك سارة؟ إلام تطمحين؟ حدثيني عن الأحلام والخيبات والأحزان والأفراح لديك.

– أحلامي ولودات وخيباتي كثيرات.. وأحزاني هنّ بناتُ وحيي أربّيهن وأطعمهنّ من روحي لأقدّمهنّ قربانًا للشعر في آخر كلّ قصيدة! أمّا الأفراح، فهي قصائد مؤجلة، بعضها لم يكتمل، ولكنّ قلبي ما زال طائرًا يحبّ الفرح كطفلٍ أمضى الليل بطوله يبكي وحين جاء صبحه نسي ليل جوعه وعناءاته! لديّ طاقة تعينني على تخيّل الحب والفرح وإنجابه مهما كانت الأرضية عقيمة!
بالنسبة الى مشروعي، قد أظهر مغالية إن قلت إنّ لديّ أكثر من مشروع، ولكنّني واقعًا، أفكر بأكثر من جهة

  1. مشروعي المهني والمتعلّق بمركزي الحالي كمدير عام في شركة مدارك للنشر والتوزيع، وأتمنّى بصدق أن أترك أثرًا في المشهد الثقافي، وأن أنصف أهل الإبداع، هؤلاء الذين لم يشغلهم عالم الكثرات عن جنونهم الأدبي، ولم تغرهم المنصّات والساحات حدّ الكبر والعجب، أحبّ أن أنتصر للحقيقيين، وأن أقدّم مشروعًا ولو واحدًا من شأنه تكريم أصحاب الأثر في الشأن الأدبي وتخليد آثارهم..
  2. مشروعي المجتمعي، وهو بناء عائلة سويّة كريمة وسعيدة، تستعين بالصبر والحب على ضغوطات الحياة والمجتمع والظروف!
  3. مشروعي الشعري والأدبي، وهو تطوير قدراتي الإبداعي كي لا أكررني من جديد، لكي أستطيع أن أتقدّم خطوات في عالم الأدب والشعر، ولكي أكتب ولو قصيدة واحدة ترقني من بعدي!

قد يعجبك ايضا