ربح البيع أبا سليمان – عبدالمجيد بن محمد العُمري

22 يوليو 2023

عبدالمحيد بن محمد العمري – كاتب سعودي

البركة نعمة من الله تعالى يتفضل بها على من شاء من عباده،إذا حلت في قليل كثرته،وإذا حلت في كثير نفع ،والإيمان والتقوى والعمل الصالح من أسباب حلول البركة.

ومن مكارم هذه الأمة الخالدة بذل المعروف والعرفان بالجميل وهما خصلتان حثنا عليهما ديننا الحنيف،وفي هذه القصة اجتمع الصدق والإخلاص وبذل المعروف والعرفان بالجميل وقبلهما النية الطيبة من الجميع فأثمرت نتاجاً طيباً ولله الحمد.

حدثني أبوسليمان وهو أحد أركان هذه القصة بل ومحورها الأول قائلاً: مر بي الكثير من القصص الغريبة والعجيبة خلال عملي في إندونيسيا ومنها هذه القصة العجيبة التي حدثت قبل أكثر منذ ثمانية عشر عاماً وتحديداً في عام ١٤٢٣هـ، إذ دخل علي في مكتبي شاب إندونيسي مهذب الملبس عليه سيما الخير والوقار وطلب مني أن أساعده في بناء مسجد في مدينة فلمبان أوفليمباغ بالإندونسية وهي ثاني أكبر مدينة في جزيرة سومطرة بعد ميدان وعاصمة مقاطعة سومطرة الجنوبية.

وسألته هل لديك موقع لبناء المسجد فأخبرني بالنفي وقال:إنني أريد أن أجعل الدور الثاني من منزلنا مسجداً، وقلت له:ومن يسكن في هذا البيت؟فقال:والدتي وزوجتي وأبنائي الصغار ووالدي توفي رحمه الله منذ فترة بسيطة، وأرغب أن يكون المسجد في بيت الوالد لينال الأجر، فاعتذرت منه وقلت له لايمكن لأن العائلة ستكبر غداً وسيكون على أهلك وأبنائك أذى من ذلك،ولابد من البحث عن أرض مناسبة وعندما تجدونها فسوف تتيسر الأمور، وانصرف من عندي ولم يكن لدي المتبرع أوالمبلغ الذي سأقدمه له.

بعد شهر من الزيارة والمحادثة اتصل بي وقال: أبشرك وجدنا أرضاً مناسبة مجاورة للبيت وقد وافق أصحابها على بيعها فأملته خيراً وقلت له:أبشر، وكما ذكرت ليس لدي شيئاً مما ينشده من المساعدة،وبعد أسبوع دخل علي في المكتب بجاكرتا رجل من أهل عنيزة اسمه عبدالله ولست أعرفه من قبل،وبعد أن سلم وعرف بنفسه قال:إن ثلاث معلمات من محافظة عنيزة يرغبن في بناء مسجد،وقد أحضرت المبلغ معي،وأريد منك المساعدة و تدلني على أناس ثقات وجهة محتاجة،فأخبرت الأخ عبدالله بقصة الشاب الإندونيسي وحماسه ورغبته في بناء المسجد فأبدى موافقته وقال لي: أبلغه أنني سأزورهم وأقف على الموقع بنفسي، وبالفعل نسقت فيما بينهما وركب الطائرة في رحلة تستغرق خمس وأربعين دقيقة ولكنها احتاجت لمايقرب الخمس ساعات للخروج من وسط جاكرتا حتى المطار عدا ساعة الانتظار .

وتوجه الرجل إلى الموقع مباشرة قبل أن يذهب للفندق ووقف على الموقع وأبدى موافقته على الفور واتصل بي مباشرةً وقال:إن المبلغ الذي معي يكفي لشراء الأرض وبناء المسجد مع فصلين دراسيين تحت المسجد،وبعد ذلك تم شراء الأرض بحضوره وعاد إلى جاكرتا وأودع قيمة البناء وطلب مني متابعة تنفيذ المشروع،وتم ولله الحمد التنفيذ وأطلق الأخ (فجر ) الإندونيسي القائم على المسجد مسمى( بسم الله والحمد لله) على الفصلين الدراسيين،وقد بعثت للأخ عبدالله تقريراً مفصلاً عن المشروع بعد انتهائه ومن ثم انقطع التواصل معه.

وقد صرت أتردد على المنطقة وأزور المسجد والفصول الدراسية ورأيت الزيادة والنمو في كل زيارة،فقد قاموا وعن طريق الأهالي بشراء مايجاور المسجد من المباني والأراضي ويتوسعون حتى أنني حينما زرتهم قبل عامين تقريباً أصبح المشروع يضم أكثر من خمسين فصلاً دراسياً وتضم الفصول في جنباتها أكثر من ألف طالب وطالبة، إلى جانب مركز متكامل ومتخصص لتحفيظ القرآن الكريم،كما يوجد عيادة صحية ومرافق خدمات،وكما ذكرت عند كل زيارة أجد فرقاً عن ذي قبل وأجد صورة ماثلة للمعنى الحقيقي لـ(البركة) فأسعد أيما سعادة لهذا العمل المبارك و أحس كأنما هي تجارة خاصة لي تنمو وتزداد مع التعجب من هذا التطور الذي نال هذا المشروع الذي أصبح معهداً مستقلاً اسمه (معهد عز الدين).

لم يتوقف الأمر على تفاعل الأهالي فحسب الذين كانوا يجيدون بمايجدون وإن كان قيمة طوبة أوكيس أسمنت بل امتد ذلك للحكومة التي تبرعت للمشروع بقطعة أرض كبيرة على الشارع العام وملتصقة بالمشروع الذي كانت مبانيه مطلة على الشوارع الداخلية،وهذا التقدير من الحكومة الإندونيسية لما رأته في هذا المشروع المبارك من أعمال وخدمات متميزة،ومع امتداد المشروع وتوسعه اضطروا لبناء مسجد آخر في الحي.

لم تقف بركة المشروع على توسعه ونموه فحسب بل حتى على أهل الأخ فجر وعائلته ومازلت أذكر أنني حينما زرته بعد عدة سنوات فإذا به يبشرني بتخرج إثنين من أبنائه من الثانوية وأنهما أتما حفظ القرآن الكريم بهذا المشروع مع من حفظوا كتاب الله من البنين والبنات،وطلب مني مساعدته في تحقيق رغبته ورغبة أبنائه في إكمال تعليمهم في المملكة العربية السعودية، فقلت:هذا شرف لي وليس طلباً منك،ولم أتردد بالاتصال بالإخوة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وذكرت للإخوة بالجامعة قصة والدهما وما قام به، وكانت الجامعة توفد من يقومون بزيارات دورية لإجراءات قبول الطلاب وتنفيذ الدورات الشرعية وتم -ولله الحمد- قبولهما مباشرة رغم أنهما من بيت واحد وهذا نادر مايحدث في إجراءات وأنظمة القبول، وقد تخرجا ولله الحمد أحدهما بتقدير ممتاز والآخر بتقدير جيد جداً مرتفع، وقد زوّجهما والدهما قبل السفر رغم حالته المادية الميسورة وعدم وجود دخل ثابت لهما، وقد قال كلمة لاأنساها تدل على قوة الإيمان وصدق التوكل على الله حينما سألته كيف سيدبران أمرهما بعد الزواج فقال:يقول الله تعالى: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم).

فالحمد لله أولاً وأخيراً لقد أصبح للمعهد وللمسجد صيتاً حسناً وقبولاً في مجتمعهم وفي كل عام يتخرج مجموعة من الحافظين والحافظات لكتاب الله الكريم إلى جانب دراستهم النظامية.

ويزداد العجب بعد هذا التوسع الكبير ليس من النمو والزيادة فقط ولكن من أمر آخر،فقد قابلت الأخ عبدالله الذي زارني عام ١٤٢٣هـ وأخبرته بما صار على المشروع من توسع فحمد الله وشكره ودعا لهم بمزيد من البركة والتوفيق،وقلت له: لعلك تبشر الأخوات وتطيب خواطرهن بماصار على غرسهن المبارك ، هنا قال لي صاحبنا: يا أباسليمان والله إني لا أعرف أياً منهن وإنما كنت وسيطاً فقط فسبحان الله.
وهاأنا ذا أذكر هذه القصة العجيبة لعلها تقع على إحد الأخوات المتبرعات ويعلمن كيف بارك الله في بذلهن ونفقتهن وإن تيسر لهن أو لأحد أقربائهن الوقوف على المشروع.

إن ماحدث بتوفيق الله أولاً وأخيراً ثم بإخلاص الأخوات في هذا المشروع فقد تعاونّ على الخير وبذلن من مالهن ثم إخلاص الأخ عبدالله الذي تكفل بالأمر ووقف على المشروع وكذلك الأخ فجر وإدارته المحنكة،ومن المؤكد أن أعداد الطلاب قد تضاعفوا عن الألف وكذلك الفصول.

بقي أن أقول أن هذا المشروع ونجاحه قد ولّد مشروعاً مماثلاً، فقد سمع أحد المحسنين بقصة هذا المشروع من أبي سليمان فتشجع لبناء مماثل (معهد ومسجد الصف) في نفس المدينة وفي موقع آخر، وأصبح ينمو كمعهد عز الدين، ولكن الفرق بين المعهدين والمسجدين أن المحسن الآخر يقوم بالإشراف والمتابعة على المشروع فيما أن المشروع الأول لا يعلم أصحابه كيف أصبح الآن، ولكن الله سبحانه يعلم، فبالنية الصادقه من الاخوات المدرسات بارك الله في غرسهن مباركة عجيبه فلا يضر عدم المعرفة باسمائهن فاالله سبحانه يعلمه قبل أن يخلق السموات والأرض فلله الحمد والمنة.انتهت قصة أبي سليمان وروايته لي عن هذا المشروع.

وإني أختم القول مؤكداً: بأن لأخينا أبي سليمان بارك الله فيه أثرٌ طيب مبارك، فكتب الله أجره فهو شريك في الجهد والعمل وممن غرس هذا الغرس المبارك برأيه أولاً وبدعمه وتشجيعه ثانياً للطرفين،ولوأن الأخ فجر الأندونيسي جعل المسجد في بيتهم كما أراد أول مرة لما ازداد وتوسع،ولكن البركة جاءت في الرأي والعزم والإخلاص من الجميع،فاللهم إنا نسألك البركة في الأرزاق والأعمار والأعمال يارب العالمين.

قد يعجبك ايضا