29 أكتوبر 2023
مزنة بلان – صحافية سورية
تخبّطٌ يعيشه المواطن العربي في بلاد العالم قاطبةً، حريةٌ جاب البحار بحثاً عنها ليصطدم بعد وصوله إلى أحضانها بأنها وهمية ولا تقل تقييداً عما كان في كنف دكتاتوريات بلاده. قُدّر لصوته أن يكون مكبوتاً ولموقفه أن يبقى مقموعاً.
كلمات كراهية ورفض لفلسطين والفلسطينينن وحتى للعرب بمجملهم يتكرر سماعها هنا في ألمانيا، بعد شيطنتهم من قبل اسرائيل وبعد أن تهمّش حضور أوطانهم ودورها الإقليمي على أيدي حكامها وسياساتهم الفاشلة التي أوصلتهم إلى هذا الموقع بين الأمم. حصل العربي على جميع أنواع الحريات هنا في الغرب إلا فيما يتعلق بموقفه من هذه القضية. شعبٌ يسعى دوماً لتحسين صورة تم قولبته فيها وحصره في مكانٍ لا يحقّ له تخطّيه.
لا ننكر وجود السيء ضمنهم والذي لا شك يكرّس مثل هذه الصور المشوّهة عن شعبٍ بأكمله يمتد على أكثر من ٢٢ دولة، إنما التعميم غالباً ما يطوي ظلماً تحت عباءته. فالنموذج السيء متواجدٌ في شتّى الشعوب وليس حكراً على شعبٍ أو دين. إنما شبكاتٌ إعلاميةٌ تضخّ يوميّاً خطاباً مغلوطاً وحقيقةً كاذبةً ومن يشاهدها وحدها سيتأثر حتماً بها، باعتبارها المصدر الرئيسي للمعلومة في لغته، كما مؤسسات كبرى لها وزنها وعراقتها عبر السنين.
إننا في وقتٍ يتنامى فيه ظهور اليمين المتطرف بعد أن ضجّت دول الاتحاد الأوروبي باللاجئين العرب الذين ما زالوا يتوافدون بأعدادٍ كبيرة سنوياً. وسياسة حكوماته وتحديداً الألمانية حيالها والتي لا شكّ أنها تبالغ في دفع الرواتب وأجارات البيوت والمواصلات والخدمات والطبابة دون أن يبذل هذا اللاجئ أي جهدٍ يذكر، ولفترة طويلة الأمد تتناسب مع مدة بقائه دون عمل لائق يؤمن له حياة كريمة، لا يعد بعدها بحاجة لمساعدتها. مما دفع الكثيرين منهم للتقاعس عن العمل والاكتفاء بها. الأمر الذي يثير حفيظة المواطن الألماني حتماً كما أي إنسان آخر يعمل ويكدّ ليدفع كل ما سبق، ثم يُقتطع بعدها ثلث راتبه كضرائب للدولة. ولاسيما بعد ما تشهده البلاد من غلاءٍ ملحوظ في الوقود والمواد الاستهلاكية.
نقمةٌ تتزايد على حكومات بلادهم التي توزع نقودهم( القادمة من ضرائبهم) يميناً ويساراً على أفراد وشعوب العالم. ورفضٌ تدريجيٌّ لوجودهم. أما أمريكا الظهر الداعم لاستعمارات العالم، تبريرٌ نتفهمه لديها حيث لها تاريخٌ مشابه بالنهوض على أنقاض شعبٍ آخر. 70% من الهنود الحمر قضوا نحبهم في ظرف ثلاثين عاماً من جرّاء الأمراض. حيث تم استخدام الأمراض كوسيلة حرب بيولوجية كالجدري والحصبة والطاعون والكوليرا والتيفوئيد والدفتيريا والسعال الديكي والملاريا وبقية الأوبئة… إذ كانت السلطات البريطانية توزع عليهم الألحفة (الأغطية) الحاملة للأمراض عمداً بهدف نشر الأمراض بينهم. حيث كانت أجسادهم تفتقر إلى المناعة ضدها، فحصدت الجانب الأكبر منهم.
أما الكتب الإنجليزية التي صدرت عن الهنود الحمر في بداية القرن الـ16 فقد وصفتهم بأنهم “وحوش لا تعقل ويأكلون زوجاتهم وأبناءهم”. وقد لعبت هذه النظرة الاستعلائية والاستعمارية دوراً مهماً في تبرير إبادة همجية ارتُكبت ضد سكان الأرض التي سميت لاحقاً الولايات المتحدة الأميركية.
كما نفذت الحكومات الأميركية حملات إبادة ضد السكان الأصليين وعملت على تدمير مزارعهم وطمس هوياتهم واقتلاعهم من جذورهم، وتهجيرهم من المناطق الخصبة وتلك التي تتوفر على موارد طبيعية إلى مناطق قاحلة لا تصلح للعيش. وفي 28 مايو/أيار 1830 أصدر الكونغرس قانوناً عرف باسم قانون “إبعاد الهنود”، وسمح هذا القانون للرئيس بالتفاوض مع الهنود الحمر لإبعادهم إلى أراض فدرالية غرب الميسيسيبي، مقابل التخلي عن أراضيهم الأصلية. في حين تدفق ملايين المهاجرين الأوروبيين إلى مناطق الهنود الحمر واستولوا على أراضيهم، بدعم من الحكومة الأميركية.
تقول المؤرخة الأمريكية “روكسان دنبار أورتيز” أن ميلاد الولايات المتحدة كان نتيجة جريمة مُبيّته ومُخطّطة، تمثلت في الإبادة الجماعية للسّكّان الأصليين والإستيلاء على أراضيهم وثرواتهم ووطنهم، بشكل منهجي. وتتابع: لذا من العار الحديث اليوم عن مجتمع متعدد الثقافات، بدل الحديث عن مجتمع نَشَأ على إبادة السكان المدنيين المُسالمين، غير المُسلّحين، بمن فيهم النساء والأطفال.
استمرت ثورات السكان الأصليين حتى 29 ديسمبر/كانون الثاني عام 1890، حيث ارتكب الجيش الأميركي مذبحة “الركبة الجريحة” في منطقة ” داكوتا الجنوبية”. قتل الجيش الأميركي حينها مئات من المدنيين العزل وبينهم النساء والأطفال، وشنّ حملة اعتقالات واسعة في صفوف السكان الأصليين، مما أدى إلى سحق مقاومتهم وتمكين الأميركيين الجدد من فرض سلطتهم على كل ما يسمى حالياً الولايات المتحدة الأميركية. تاريخٌ بشرّيٌّ حافلٌ بالظلم والموت والدمار الذي لا يلبث أن ينتهي حتى يبدأ من جديد في بقعةٍ أخرى من العالم وفي عصرٍ جديد ، لسياساتٍ وكياناتٍ تقوم على أرواح أبرياء العالم بتعدد أطيافه ومكوناته.