24 ديسمبر 2023
د.شريف مبروكي – كاتب ومترجم تونسي
ثمة ناس لا يعيشون إلا وهم غاضبون… غاضبون دوماً، غاضبون ليس من شيء محدًّد وبالتالي عارض، بل غاضبون من كلّ شيء وبشكل دائم وجوهري، غاضبون بالسليقة، بالطبع والجبّلة، حتى لو أمطرت عليهم السماء ذهباً هم غاضبون، لا شيء يرضيهم أبداً، ولا شيء يشفي غليلهم ويسكّن روعهم…
غاضبون منك ومني ومن الآخرين جميعاً، غاضبون من الماء والسماء، من البشر والحجر، من الريح والمطر. غاضبون لأتفه سبب، لحكّة أنف أو لسعة ناموسة، لإمساك أو لإسهال يتوترون ويغضبون. وغالباً لا ينتظر الغضب عندهم سبباً بل هو جاهز دوماً لينفجر في أيّة لحظة.
الغضب ليس مرضاً يمكن انتظار شفاءه، بل هو داءٌ عضال.
الغضب (الدائم طبعاً، لأنّنا كلّنا نغضب من حين إلى آخر) هو في الأساس متعة باثولوجية وآلية دفاع نرجسية تقي أصحابها من السقوط في الخواء المولّد للقلق والإحساس بالحصر. لأنّه حين ينتهى الغضب يبدأ الخوف الوسواسي على الأنا، ويرتبط بشعور عميق بالإحباط. ولذلك يصعب التغلّب عليه ولا حتى ترويضه. أنا غاضب، أنا بخير.
تعودتُ على الغاضبين (أو بدقة الغضوبين)، إنّهم حولي دوماً، وليس بيدي حيلة سوى أن أحافظ على نفسي كجدار (يا جبل ما يهزك ريح) متمسكاً بشعاري الرواقي: لا بدّ للمرء في هذا العالم البائس أن يبعث بعض الناس إلى الجحيم.