محمد خضر: ممتنٌّ للشعر وهو يكشف لي فداحة الحياة مقابل أحلام

24 سبتمبر 2023

حاوره؛ هاني نديم

على خارطة الشعر الحديث في المملكة العربية السعودية يبرز اسم محمد خضر كشاعر ساهم بشكل كبير في تأصيل وجود قصيدة النثر السعودية وتنويعاتها ونقلها إلى خارج الحدود. خاصةً وأنه صاحب تجربة حياتية فيها الكثير من السفر والترحال والمشاركة الثقافية. إذ مثّل المملكة في محافل عربية وعالمية وقدّم نموذجاً لحركة الشعر السعودية الجديد. 

التقيت محمد خضر في هذه الدردشة السريعة أراجع معه بعض المفاصل الشخصية والثقافية. سألته:

  • من البدايات محمد، كيف تشكلت لديك ملامح قصيدة النثر وأنت تحمل كل هذا الإرث الكلاسيكي جغرافياً وتاريخاً، أحب أن أعود معك لأول الكتابة وأول الشعر، حدثني عن تلك المرحلة

– أول مرة سمعت كلمة “شعر” في قريتنا في بلجرشي، كنت في العاشرة من عمري، في المجلس الذي ضمَّ مجموعة من الضيوف كانوا يصغون بإنتباه ونشوة، يأخذهم إليها هذا الكلام الغريب الذي يُلحن أحيانا ويقال بنبرة مختلفة عن الكلام العادي..

قصائد من الآخرين، أو من فلان الشاعر المعروف، أو من الجدَّة التي كانت شاعرة، وأول مرة أشاروا إلى أن هناك شاعرًا  مشهورًا تطير قصائده ويتناقلها الناس حتى تتخطى حدود المكان ويتعدد تأويلها وتحليلها، فقصيدة واحدة يختلف حولها ماإذا كانت مدحاً أو ذماً،  وقصيدة يتبارى الشعراء في الرد عليها أو التماهي معها ..

سألت لأول مرة ماهو الشعر ؟

هل هو مدى علاقتنا مع اللغة

مدى مافيها من قوة وضعف وطاقة ..

 

شاهدت اللغة في الحقول وأمطار القرى، وأول وردة حمراء مخبأة خلف الظهر كمفاجأة بين عاشقين

ثم لما شاهدت الشاعر في صورة بعد سنوات طويلة عرفت معنى آخر للشعر ،  عرفت أنها تلك اللحظة التي تخلق فينا كائن الشعر ، اللحظة التي عجزنا ونقصت فيها مناعتنا في أن نقرأ الوجود بشكل عادي. قد لاتكون لحظة تماماً.. بل قصة أو حكاية بصوت الجدّة  أو تلك الأشياء ذهبت بنا إلى الكتابة منسحبين نحو الأسئلة وفي شعور مختلف بأننا بحاجة إلى تلك العلاقة مع اللغة.

تلك اللغة التي شاهدتها في الحقول وأمطار القرى ، وأول  وردة حمراء مخبأة خلف الظهر كمفاجأة بين عاشقين ولماذا الفقد والموت والرحيل والحزن؟

لقد سمعتها في أغنيات الرعاة، وفي العرضة، وعرفت الشعر في الرائحة.. رائحة الأرض بعد المطر ،رائحة شال الجدة وأمي، رائحة تتبقى في كفك وثوبك بعد غياب أصحابها..

وعرفته في التوقع وفي الحدس والغضب وفي الخيبات والانكسارات.. في أعين الغرباء وهي تحدق في شاشة الرحلات المغادرة والقادمة .. وفي أوجه الصغار التي هي أجمل من كل الشعر  وفي مسيرة احتجاج طويلة وصامتة..

في أغنية من شباك بعيد، وفي خطوة لم تكتمل معلقة في حذائك تريد أن تأخذ بيديها إلى أقرب باب، في الولد القديم الذي لم يركب السفينة صاعدًا إلى الجبل، ليصنع دهشة القصة

وفي صدمة الرجل الذي شاهد صورته في النهر لأول مرة.. في علامة ممنوع الوقوف والانتظار قطعيًا وفي أول مرة اكتشفت فيها الفرق بين الحياة والأفلام!

قرأت الشعر الكلاسيكي كثيرًا وأحببت كثيراً منه خاصة شعر امرئ القيس والمتنبي وأبي العلاء وأبي نواس، وأحببت تجربة الحداثة الشعرية العربية مع الشعراء أمل دنقل والمقالح وصلاح عبدالصبور و أدونيس وسعدي يوسف وغيرهم. لكني كنت أبحث عن شيء مختلف وجدته يعبر عني وعن فلسفتي عن الشعر في الكتابة عبر قصيدة النثر ..

 

  • جمعت تجارب من قصيدة النثر السعودية في كتابك 30 حاسة جديدة، بودي لو عرفت أكثر عن ملامح تلك التجربة ونهضة النثر في المملكة وما الذي أردت قوله من الكتاب؟

– قصيدة النثر في السعودية تجربة مهمة ، امتدت لعقود مع تجارب مؤثرة ومتنوعة ولازالت مستمرة تقدم في كل مرة أسماء وعناوين جديدة، صحيح أنها ظلت قصيدة مرفوضة أو تواجه الانتقاد وربما حتى اليوم، لكنه غير مؤثر فهم قلة ممن يرون فيها المساس بأشكال شعرية أخرى أو ممن تؤرقهم تسميتها شعرًا ..

في مختاراتي “٣٠ حاسة جديدة ” ستجد امتداد هذه التجربة منذ السبعينات مرورًا بالثمانينات ووصولًا إلى جيل ما بعد الألفية ، لم تكن شاملة لكل التجارب طبعاً لكنها مختارات جاءت فكرتها من وجود بعض التجارب الشعرية أثناء مشاركتها في حساب على موقع الفيس بوك.. وجاءت لتعبر عن مشهد قصيدة النثر في تنوعه وحساسيته الجديدة ،ومعبرةً عن أفق للكتابة بشكل مغاير، وفي مرحلة مهمة إذ تواكب للمتغيرات والتحولات من حولنا وعلى أكثر من صعيد، وربما تكون هذه المختارات مصافحة لمن لا يعرف شيئًا عن قصيدة النثر وخاصة في السعودية .

 

ممتن للشعر لأنه منحني الكثير من المحبين وممن يتقاطعون معي في عبارة أو نص يساوي حياة 

  • هل استحق الشعر كل هذا التعب والنصب واللهاث؟ كيف علاقتك معه؟ هل أنت متصالح مع فكرة الكتابة اليومية؟

– لم أكن أعرف تمامًا أن الشعر سيأخذني نحو هذه الرحلة المليئة بالمتعة والتعب والأسئلة، نحن أصدقاء في هذا الطريق الطويل، في الأسئلة، وفي توزيع الهواء على الصدر بالتساوي.. أصدقاء نقاوم الملح العالق في النوافذ. ممتن للشعر لأنه منحني الكثير من المحبين وممن يتقاطعون معي في عبارة أو نص يساوي حياة ..

وممتن وهو يعلمني كيف أستبق  وعودا كنت زخرفتها في القلب، وأكتشف فداحة الحياة مقابل أحلامي، ولأنه جعلني أتساءل وأفكر وأصرخ وأدين العالم. كان نافذة مفتوحة حين عرفت النوافذ المؤصدة، وواسعة مهما ضاقت العبارة..

أما الشق الآخر من سؤالك عن الكتابة بشكل يومي فلا بأس مادام الشاعر أو الكاتب لا يكرر نفسه ويذهب بعيدًا في عمق وقوة علاقته مع اللغة. وشخصيًا لا أكتب بشكل يومي، بل قد تمر أشهر دون أن أكتب شيئًا إلا ما أجدني أكتبه كمذكرات شخصية جدًا، كتلك التي قد لا يقرأها سواك وأجدها أحياناً مهمة في كونها تمرين لياقي جيد ..

 

  • ماذا عن محمد خضر خارج الكتابة؟ أحزانه ومباهجه وأصدقاؤه والحياة والبلاد؟

– لا أعرف إلى أي مدى يتضح هذا الفاصل بين حياة الكتابة والحياة خارجها، لكن يجب أن تمضي الحياة خارج الكتابة بشكلها الطبيعي، بكل ما فيها من تفاصيل وعائلة وأصدقاء وعمل ومغامرة وأسئلة، و يجب أن تتوقع أن تزدحم أحيانًا بالخيبات والأحزان أو الأفراح والمسرات على حد سواء.. أعتقد أنه بقدر ما تمضي في حياة ذات تجارب إنسانية مختلفة ومتنوعة أو عادية حتى أو محرضة بما فيها من إلهام وشغف، بقدر ما تنضج تجربة الكتابة وتأخذ أبعادًا متصلة بلغة اليوم ومتصلة بفهمك للحظتك الشعرية أو الأدبية الراهنة.

 

قد يعجبك ايضا