18 أغسطس 2023
عبدالراضي عبدالمحسن – أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة
الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه من أكثر فلاسفة العصر الحديث تأثيراً في السياسة الألمانية برؤيته حول الإنسان الأعلى ، وفي تيار الإلحاد بمقولته حول موت الإله ، وفي نزعة التجديد الفلسفي بطرحه فكرة ( العود الأبدي ).
وهو شخصية جدلية تتضمن القول ونقيضه عندما يُؤرَّخ له بدعوته إلى اللامعقول ، أو بالانتماء الديني وهو من أكابر أعداء المسيح ، أو بعداوة المرأة لقوله ( إذا دعوت امرأة فجهّز السوط قبل حضورها ) مع أنه كان عاشقا لزوجة الموسيقار ريتشارد فاجنر ، وكان يحب سالومي وقد عرض عليها الزواج أكثر من مرة.
ومفتاح فهم تناقضاته وحل إشكالية جدلياته يكمن في النظر إلى المراحل التطورية التي مرّت بها حياته المجتمعية والفكرية والفلسفية .
فقد نشأ في أسرة متدينة لكنه انقلب على الدين بتأثير من كتاب فيورباخ(طبيعة المسيح) ، فانطلق في عداء الدين بلا حدود معقبا على عبارة مارتن لوثر 🙁 وجود الله كان سيصبح مستحيلا لولا وجود جماعة من الأذكياء ) ، فعقّب قائلا : ( وجود الله كان سيصبح أكثر استحالة لولا وجود الأغبياء ).
ثم مضى إلى نهاية الشوط بإعلانه أن : ( الإله قد مات ونحن الذين قتلناه ).
وذلك لكي يحقق فكرته عن الإنسان الخارق أو السوبرمان ؛ لأن وجود الإله يمنع تحول البشر إلى الإنسان الأعلى.
وقد عايش نيتشه مرحلة فكرية تجمع بين الفن والرومانسية وهي التي انبهر فيها بفلسفة شوبنهاور الأرستقراطي الذي استقاها من رحلته مع أبيه إلى الهند وتقوم على فلسفة الهندوسية والبوذية بأن العالم أساسه الألم وأن الخلاص من الألم إما أن يكون أخلاقيا زهديا وإما أن يكون فنيّا تعبيريا بالاندماج مع الطبيعة وتلقائيتها قبل استفحال إعمال العقل والشطط في تقديس المعقول ، وهو ما حاوله نيتشه بالاستغراق في الفنون من خلال الموسيقار ريتشارد فاجنر.
لكنه سار باتجاه آخر مباين للميتافيزيقا والتجريد باعتبارها ضربا من الخيال الشعري .
وفي كتابه ( هكذا تكلم زرادشت ) سلك طريقا أقرب للتصوف غير الروحاني المرتبط بتمجيد الأرض والحياة الأرضية.
ولأنه فيلسوف أخلاقي قبل أن يكون فيلسوف حكمة ومعرفة فقد اهتم بتمجيد الفضائل وعلى رأسها فضيلة الصدق وذم الرذائل وعلى رأسها الكذب ، فقد أُثر عنه القول ( ما يزعجني ليس أنك كذبت عليّ .
إن ما يزعجني أنه لا يمكن تصديقك بعد الآن ).
ولاننسى أنه رغم قوله بالإنسان الأعلى الخارق أو السوبر مان فإنه قد ألقى بنفسه حول رقبة حصان ليتلقى نيابة عنه ضربات السوط التي يؤلمه بها الحراس ، وليمنع عنه الألم .