5 يوليو 2023
د.أحمد يوسف – أستاذ النقد الأدبي والبلاغة
لم يكن نصر حامد أبوزيد ( ١٩٤٣- ٢٠١٠ ) مجرد أستاذ جامعي مثل كثيرين ممن يتزيون بهذا اللقب،ولم يكن من قبل طالب علم يرى أن التعلم مطية المناصب ولكنه كان يرى رؤية القلب أن العلم مسئولية والعقل ألزم الملكات الإنسانية للإنسان. لذلك اختار طريقًا صعبة في التعلم والبحث العلمي فشقَّ على نفسه واصطلى بنار المسئولية. اختار أن يقرأ تراث الذين احترموا العقل وشادوا دعائم الدولة والمجتمع.اختار المعتزلة واختار خطابهم التأويلي الذي حفر في أعماق الخطاب اللغوي واستدعى ميراث العقل الإنساني عند الأمم السابقة مثل اليونان والرومان واشتبك مع الأمم المعاصرة كالفرس والهند، وشاد منهج البحث العلمي على هدي المنطق والفلسفة ولم يكتف بالعلم العربي المنقول والمتواتر، ومن شأن هذا السعي رفض المسلمات والشك في المتواتر والمنقول وإعلاء مرتبة العقل باعتباره مناط الوعي ومناط التكليف فإذا تعارض المنقول مع المعقول، كان التأويل هو الفيصل.
لم يكن عبثا ولا صدفة أن يشق نصر أبوزيد على نفسه باختياره هذا المنهج ولا باستدعائه هذا الفريق النافر من سلطان الاتباع وسلطة النقل.
بدأ نصر بقراءة ما كتبه السيوطي وأمثاله عن القرآن وعن نظمه وعن سوره ومقاصدها وعن تاريخية الكتابة عن القرآن والسنة وعن قدسية العصر الأول من الصحابة والتابعين،وهداه منهجه في تحليل الخطاب اللغوي والتاريخي إلى نتائج مغايرة كل المغايرة منها أن الدين نصوص ثابتة وأنها ليس لها لسان تفصح به عن مرادها،وأن البشر هم الذين يفصحون عن مرادهم هم حين يقرأون هذه النصوص وأن مرادهم هذا ليس بريئا من أغراضهم ومقاصدهم الاجتماعية ولا السياسية،ومن ثم فإن قراءاتهم ليست دينا ولا تمثل الدين في شيء.هي تمثلهم هم وليست ملزمة لأحد وأن الأخذ بها أو تركها مسلك بشري فردي خالص
لذلك أطلق نصر أبوزيد ما عرف بتاريخية النص ليقول إن هناك فرقا بين النص في كماله وتمامه وديمومته ،وبين قراءاته على امتداد تاريخه.
ولم يكن ما توصل إليه أبوزيد أمرًا هينا ولا عابرا لأنه زلزل المنقول والمستقر في التاريخ كمًا زلزال الحاضر الذي يتغذى على ترداد مقولات التاريخ عن القرآن وعن مفسريه ومن ثم ضرب أبوزيد البنيات العقائدية المستقرة كما ضرب جماعات المتاجرين بالدين الدين سيطروا على كل منافذ المعرفة والتنوير وسيطروا على المؤسسات المؤثرة في المجتمع المصري والعربي والإسلامي.فمقولات نصر لم تقلب عليه خصوم الداخل بل قلبت عليه كل الخصوم في العالمين العربي والإسلامي
فعلقوا له المشانق وأقاموا له محاكم أثينا التي حاكمت سقراط بتهمة إفساد عقول الشباب وعقائد الناس.ففرقوا بينه وبين زوجه وأخرجوه من وطنه وهو العزيز عليه وفرضوا عليه الهجرة القسرية.
ومع كل هذا البغي والبهتان ظل نصر حامد أبو زيد مثل طائر الفينيق كلما اشتعلت فيه النيران ازداد توهجا وحياة.ظل كما هو وكما عرفته ونحن طلاب العلم في قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة إنسانا راقيا متعففا زاهدا فيما يغري العيون ويرضي الشهوات صادقا مع نفسه طامحا في مزيد من العلم ومزيد من المعرفة لذلك لم يمت لأن الحجر الذي ألقاه في المياه الراكدة مازالت دوائر آثاره باقية شاهدة على غباء من رجموه