1 مايو 2023
وسام كنعان- دمشق
كان في السابعة من عمره حين تاه على دراجته الهوائية في حقول قريته «معربا» المحاذية لدمشق. أغرته رمانة تدلَّت من أغصان شجرة بالقرب من بئر عميقة. حاول قطفها فدفعه صديق كان برفقته إلى البئر وهرب… أمضى ساعات وهو يطلق نداءات الاستغاثة لعلّ أحدهم يسمعه، لتنقذه من الموت امرأة كانت تمرّ مصادفةً من هناك. هذه الحادثة هي الأكثر حضوراً في ذاكرته من أيام الطفولة، إضافةً إلى كلب كان يرافقه قبل أن يذهب ضحية حملة البلديات للقضاء على الكلاب الشاردة.
عائلته المحافظة أرادته إمام مسجد، لكنّه عشق الوقوف على المسرح، وأدمن مهنة التمثيل منذ أيام العطل الصيفية وأنشطتها. حين اعتلى خشبة المسرح للمرة الأولى، لم يكن قد تجاوز الثانية عشرة. يومها خبر طعم الرهبة، وهو شعور ما زال يلفّه حتى اليوم قبل كلّ عرض مسرحي، رغم سنوات الخبرة الطويلة.
خلال إحدى الليالي الريفية الهادئة تسلّل إلى قلبه صوت مذيعة الراديو تعلن فوز الفنان عمر الشريف بجائزة سينمائيّة. في تلك اللحظة تخيل زهير عبد الكريم أنه مكان النجم المشهور، وقرر أن يحترف التمثيل. في تلك الفترة، تعرّف على أيمن زيدان، وجمعهما عشقهما لفنون الفرجة، فنهضا معاً بـ«مسرح الشبيبة». من خلاله قدما عشرات العروض المسرحية في ساحات المناطق الريفية النائية. في أحد عروض الساحات العامة، كان يؤدّي مونولوجاً، وإذا بأحد المتفرجين يطلق أعيرة نارية في الهواء، لأنه ظن أنه قالا موّالاً يستحق التشجيع!
صديقه الممثل أيمن زيدان أرشده إلى طريق «المعهد العالي للفنون المسرحية»، وكان قد سبقه إليه. تقدم إلى امتحان القبول أمام لجنة ضمّت المخرج الراحل فواز الساجر، والممثل أسعد فضة. هذا الأخير كان ملاذ زهير الأول للاطمئنان إلى مستواه، وكانت إجابته كلمات ما زال يحفظها. قال له فضّة: «لا تفقد الجوهرة بريقها حتى لو غطتها كثبان من الفحم الأسود». دخل زهير المعهد ولم يكن قد قرأ كتاباً واحداً خارج المنهاج الدراسي، ولا حتّى صحيفة يومية. ولم يكن يعرف من الموسيقى سوى العتابا والمواويل. فاته الكثير من القراءة، وحاول استدراك ذلك. لكنّه عوّض عن ذلك بعفويته الطاغية، فوّظفها في أدائه لتصبح سمة تميزه. أول «ظهور تلفزيوني» له بعد التخرج كان دبلجةً لصوته في فيلم كرتوني للأطفال. عندها جمع كل عائلته وأقاربه وجيرانه في قرية معربا وأخذ يشير إلى الشخصيّة التي تحمل صوته كلما ظهرت. لكنّهم غضبوا منه لأنه أضاع سنوات طويلة في الدراسة حتى يظهر أخيراً بدور حصان!
لكنّ التلفزيون هو الذي صنع نجوميته، وأطلقه على نطاق واسع، من خلال دور «نوري المبيِّض» في مسلسل «الدغري» (1992) إلى جانب دريد لحام. في تلك الأثناء، كان والده بائعاً جوالاً في شوارع دمشق المزدحمة. وصار الممثل الشاب يقصد والده أثناء عمله ليقبّل يديه، ثم يحمل عنه بضاعته ويبدأ بالمناداة عليها كما يفعل الباعة المحترفون. وكانت النتيجة دوماً لمصلحة الأب الذي يتفاجئ باحتشاد الجماهير الغفيرة حول بضاعته. رحيل والده جعله يخشى فقدان البوصلة التي كانت ترشده. لذا وقف أمام جثمان والده، وطلبت منه أن يرضى عنه دوماً، بعد موته. لأنه كان يشعر بأن ما يسيره نحو النجاح هو رضا الوالدين! لم يتردد زهير عبد الكريم في زيارة السينمائي أسامة محمد ليعرّفه بنفسه، أثناء إعداده لفيلم «نجوم النهار» (1988). طلب منه محمد الخضوع لاختبار تجريبي، ثمّ منحه بطولة العمل. في كواليس «نجوم النهار» تعرف إلى الممثلة سوزان الصالح، التي أصبحت لاحقاً رفيقة دربه. سحرته بأدائها وعشق أنوثتها. ذات مرة قرر أن يوقف التصوير، ويحوّل أجواء التوتر إلى مرح. فأخذ يستخدم كل مواهبه ليضحك فريق العمل. بعد ساعة ونصف ساعة من الضحك المتواصل، طلبت منه سوزان الصالح أن يتوقف رأفةً بها، وقتها أخبرها بأنه يفعل ذلك من أجلها فقط. كانت تلك بداية علاقة نشأت بينهما وتحوّلت لاحقاً إلى زواج ناجح ما زال ينضح حيويّة حتى اليوم، رغم أن سوزان هجرت التمثيل. عشرات الأعمال التلفزيونية قدمها زهير عبد الكريم خلال مسيرته، أبرزها «الزير سالم» لحاتم علي، و«إخوة التراب» لنجدت أنزور، و«يوميات مدير عام» لهشام شربتجي، وغيرها. كل ذلك قبل أن تعيده الأوضاع السياسية إلى خشبة المسرح، إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. موجة الشتائم التي طاولت سوريا في بعض المنابر الإعلامية من جهة، والأوضاع المزرية للداخل السوري من جهة أخرى، دفعت عبد الكريم إلى تقديم مسرحية «قيام سكوت جلوس» (2005) عن نصوص لمحمد الماغوط. كانت تلك آخر تجرية مسرحية حصد بسببها اتهامات بمحاباته السلطة وقد تكرّست هذه الاتهامات لاحقاً مع اندلاع الحرب في بلاده. لكّن الرجل اعتزل جزءاً كبيراً من الحياة العامة، لصالح التفرّغ لعائلته والسفر إلى أوربا بقصد علاج ابنه من مرض خطير!
يمكن القول بأن عبد الكريم واحد من أكثر النماذج صدقاً وعفوية في الوسط الفني السوري، وهو ما يجعل انفعالاته الزائدة في بعض اللقاءات تسبب له مشاكل مع أصدقائه!