العنصرية ولو في القبر!

يتجه العالم بكلّيته نحو النشاز والجنون ويجنح بمركبته إلى “البانكيت” كنظرة متفائلة لمن يغمض عينيه عن التدهور الحاصل لنا ونحن دون أحزمة أمان!

الحروب تنفجر كالدمامل على جسد الكوكب، نفقأها هنا، فتتورم هناك، السودان اليوم في فوهة النار المرعبة، استمراراً لحروب المنطقة التي تحرّكت تباعاً من مكانٍ إلى مكان، تلك النار التي لم يطفئها سوى انقضاء حاجة العالم منها.

سوريا اليوم، تعيش أسوأ أيامها، اليمن كذلك، ليبيا وتونس ومصر، بلاد الثورات والتغيير المزعوم، وهو ما انتقل بالضرورة إلى الأشقاء ممن لم يدخلوا في  سيناريو المدافع والهاونات والقصف والزحف، لبنان يضمحّل، العراق في دوامة مرعبة من الفساد، وبقية بلادنا تهتز وترتجف مما يجري حولها.

ولكن رغم كل ما تقدم، ورغم عقد من الحرب والدخان، ما زالت شعوبنا تتداول العنصرية والمناطقية فيما بينها كما تتداول الشعر والأغاني.. وكأن كل شعب منّا هو ابن ماء السماء والبقية من طين! والمعضل الذي لا حلّ له، أن من نسميهم مؤثرين اليوم، ومن يمتلكون المنصات والمنابر  والمتابعين والصوت الذي يتم تداوله، هم – في أغلبهم- دون ثقافة تحميهم من الحمق والعته اللفظي الذي يودي بهم وبنا وبالقرّاء جميعاً إلى الهاوية المرتقبة.

فتأتيك “مغنية” لم تقرأ كتاباً في حياتها، لتصنّف الشعوب بين طرّةٍ ونقش، وترى ممثلاً يشتم الجميع بالتساوي وهو لا يميز بين الألف والرفش!

وهؤلاء محاطون بجيوش من الـ”فانزات” يقرّون قول صاحبهم على الدوام، ويلتزمون بآراء سيدهم تمام الالتزام. وهو ما يسبب حرباً ضروس على التويتر والفيس بوك بين جيش مطربتنا الناعسة وجيش ممثلتنا البائسة، ليتسرب هذا العنف في الخطاب، إلى دائرة أوسع ويصل إلى الطامة الكبرى.

والطامة الكبرى هي النخبويون! المثقفون الحقيقيون الذين يتبنون اليوم خطاباً موغلاً في العنصرية والتفرقة والكراهية. كيف حصل هذا ومن أين بدأ وكيف سينتهي؟ كل جارين شقيقين تطل نوافذهما على الكراهية والفرقة بعدما كانا في خندقٍ واحدٍ وفي حزنٍ وفرحٍ واحدٍ يدندنان معاً “بيتي أنا بيتك وما إلي حدا”.. يا للأسف..

ما الحلّ؟ العالم مهتاجٌ ودولنا العربية في أسوأ أيامها، إنني أجزم أننا بحاجة ماسة إلى التلطّف والتجمّل والتفكير مليّاً قبل إطلاق الأحكام والآراء والتعميمات وقبل أن نفلتها في هذا الفضاء الشاسع المخيف..

خاصةً خاصةً؛ إن كنا من المؤثرين والمشهورين وذوي الرأي الذي يفترض أن يكون سديداً.

قد يعجبك ايضا