ملحقٌ من أمومتي – رباب اسماعيل

رباب اسماعيل – كاتبة وأكاديمية سعودية

كُتبَ الكثير ويُمكن أن يُكتب بعد عن مسلسل الزند، عن تفاصيل كثيرة ومثيرة، ربما كان أهمها بالنسبة لي الخروج من فكرة البطل الكامل المُنزَّه عن ارتكاب الأخطاء. القائد المعصوم من الزلل والمتفوق علينا كبشر لا نملك صفة القداسة. يُمكن أن يُقال الكثير هنا عمّا نراه ولا نُريد أن نُصدقه أحيانًا لوجعه وقدرته على خذلاننا كما حدث عندما قتل (ذئب العاصي) صديقه (خليل). هكذا كانت وما زالت الثورات تأكل أبناءها بين طوبى الأحلام وأيديولوجيا الواقع. لكن ما أودُّ أن أكتب عنه هنا هو هذا الموقف مع طفليَّ، اللذين التقطا بعض المشاهد العابرة من هذهِ الدراما.

تعوّدنا في كل مشوار لنا بالسيارة أن نتداول اختيار الموسيقى بيننا، لأتفاجأ بطلب مارسيل أن يسمع شارة المسلسل، ولأن شارة النهاية هي الأشهر، أسمعته إياها. إلا أنه طلب شارة البداية حيث صوت المرأة الجدَّة (التي تشدّ على كل حرف) كما يصفها، شرح له والده معنى العتابا ومفرداتها.. عبقرية اللغة والفرق بين (ولوعين/ ملوعين/ ولو عين) تولَّع طفلي وبرقت عيناه لهذهِ الكلمات العربية، شِعرها ووقعها وموسيقاها، طفلي الذي ينتمي لجيل على علاقة شائكة للأسف باللغة العربية كما تُطرح في المدارس وتفاصيل هذا العصر. عدت للبيت لأجد أن ولدي دانيال قام برسم الصوت كما يقول!! وكيف يمكن أن ترسم الصوت؟

عدت للبيت لأجد أن ولدي دانيال قام برسم الصوت كما يقول!! وكيف يمكن أن ترسم الصوت؟

وجدته قد رسم مشهدًا بسيطًا لامرأة ترى سقوط قنبلة على الجبل، حيث تتفرق وتنحني الأشجار بينما المرأة وهي الناجية الوحيدة تصرخ من بعيد وترفع يدها ذات الساعد الهزيل لشدة الفقر والجوع. طلبت منه أن يشرح الرسم بجملة ، فكتب: قبل حتى أن يفكروا سقطت القنبلة كما تهبط الشمس على الأرض هرب الناس ووقعت دموعٌ من العيون مثل الأمطار على البحر. وفي وصفه للمشهد الموسيقي في رأسه يقول: الموسيقى تبدأ بشعور الخوف، ثم تحمل القلق والهدوء في آن.. الخوف من الحرب (يلي.. يلي.. يلي) كأنهم يصرخون لطلب النجدة. تتصاعد الموسيقى كأنما الجميع انتبه لقرب نهايته. ثم ( تتتن تن تن..) حيث تعبر عن قلة الحيلة وعدم القدرة على فعل شيء. تتغيرالموسيقى كأنها تحثُّ على الشجاعة ومقاومة الظلم. الموسيقى تفسر الشعور بين السَكينة.. الجبل والنهر، قلق الحرب والظلم. أنتهي من كتابة هذهِ الحوارات مع طفلَيّ، لترمي لي الكتابة بكلمات مفتاحية لمزيد من التأملات والبحث والتأويل، غاستون باشلار، الطفولة التي يصفها بأنها بئر الكينونة، أحلام اليقظة. عاصفة الكتابة التي لا تُريد أن تهدأ فتتذكر رؤى باشلار ومقولته بأن: “ما تزال هناك أرواح قد يجمعها في الحبّ قصيدتان، قد يجمعها في الحبّ اندماج حلميّ يقظة سويًا. لكي تقول في الحب الكلام، عليك بالكتابة… لا يُعجز الحبَّ التعبير عن نفسه، لكنه يعبر عن نفسه بصورة أفضل كلّما حُلِم فيه بطريقة شاعرية”

قد يعجبك ايضا