«النار بالنار» …  مجحف بحق السوريين!

6/ نيسان (إبريل) 2023

وسام كنعان

يحقق مسلسل «النار بالنار» (كتابة رامي كوسا وإخراج محمد عبد العزيز وبطولة : عابد فهد، كاريس بشار، جورج خبّاز، طارق تميم، جمال العلي، زينة مكي، هدى الشعراوي وإنتاج الصبّاح أخوان) حضوراً  واسعاً ومتابعة جيدة خلال موسم الدراما الرمضانية. لكن يمكن القول بعد متابعة ثلث العمل بأنه بقصد أو بدونه يعتبر مجحفاً بحق السوريين، أو لمرحلة النزوح الحرجلة المسيّجة بالوجع والعوز، كونه يقترح مجموعة نماذج سورية غارقة في الانحدار بدءاً من عمران، مروراً بصبي اليانصيب، وصولاً لشخصية قذرة انتهازية ومتحرشة يؤديها جمال العلي، إضافة إلى سيدة مسنة تدير بيتاً للقمار تلعبها هدى الشعراوي ومجموعة بنات يشتغلن عندها… دون وجود شخصيّات سورية خيّرة وصالحة ومثقفة ترجّح الكفة فعلياً، وتسّلط الضوء على شريحة واسعة من اللاجئين المتعلّمين الذين أضافوا شيئاً ما خلال فترة وجودهم في لبنان ولم يتركوا خلفهم رذيلة وأذى واستغلالاً!كما ويرصد العمل بطريقة جذابة مجموعة من النماذج السورية اللبنانية التي تعيش في حي ّ شعبي، وتنطلق حكاياته من المرابي والانتهازي الذي يتاجر بحاجات أبناء الحي عمران (عابد فهد)  ويسير بتصاعدية وحبكة لطيفة، وتداخل منطقي للشخصيات، إلى أن نصل إلى العقدة المركزية التي تربط  بمجرّد ظهورها جميع الشخصيات، وتزيد من منسوب الدراما في الحكاية وهي شخصية مريم (كاريس بشّار) النازحة السورية من حي الشيخ محي الدين بن عربي. سيدة جميلة محجبّة بسيطة موغلة في الطيبة، وقد قست عليها الحياة، وأمعنت في قسوتها تلك عندما تعرّضت للنشل لحظة وصولها بطريقة غير شرعية إلى لبنان. هذه الشخصية تترك فرصة لظهور المتناقضات الصارخة في صيغة الحكاية كما شاهدناها على الشاشة. بداية بالهيئة البرّانية لمريم التي تبدو فعلاً على المستوى الشكلي، وكأنها نزحت من صالونات التجميل والمسلسلات التركية، وصولاً إلى منطقها في الحديث والحوار الذي يبدو حيناً بأنها جاهلة وأميّة يدعّم ذلك أنها تحمل سكيناً في حقيبتها لتدافع فيها عن نفسها، ثم تعود في مطرح آخر خاصة لدى صراعها مع جورج خباز عند تعليق لافتة مكتوب عليها يمنع تجوّل السوريين بعد الثامنة مساء، لتكشف عن براعتها باللغة العربية، وقدرتها الصريحة على النقاش، وعمقها ووزانتها الفكرية، وهو يتناقض جذرياً مع بنية الشخصية وتاريخها ومكنوناتها وخلفيتها المجتمعية ومستواها الثقافي، عدا عن التناقض الثاني بفكرة دفاعها عن وجود الجيش السوري في لبنان علماً بأنها زوجة معتقل وصل إلى السجون ظلماً ولا يمكن لشخص مثلها أن يتبنى رواية السلطة. طبعاً يجدر لفت النظر إلى أن هذه الشخصيّة تعدّلت جذرياً شكلاً ومضموناً بين الورق والصورة. فيما تبدو فكرة مناماتها ورؤيتها للشيخ محي الدين بن عربي مقحمة بدون أي معنى أو انسجام مع سياق القصة الأساسية، وبلا أي معنى درامي واضح، ويبدو تجسيدها كوميدياً خاصة عندما نسمع الشيخ الأكبر يتحدّث مع مريم في أوّل مناماتها بلهجة لبنانية قبل أن يعطيها عنقود العنب. ليستمر التناقض المتواصل خاصة في سلوك عمران الذي يفضّل النقود على أهله وهي شخصية مقتبسة من شخصية «شايلوك» في رواية «تاجر البندقية» لوليم شكسبير ، لكننا فجأة نجده تنازل عن مطامعه أمام مريم دون تمهيد أو مقومات وافية تبرر فكرة تنازله عن أجره، عندما يريد أن يسأل لها عن مصير زوجها في المعتقلات السورية، ثم يعود مرّة ثانية بدون حزمه المعتاد ليطالب السيدة التي يبدو أنه وقع في غرامها بفوائد بسيطة لا تتجاوز 50 دولار أمريكي. التعاطف ذاته لا نفهمه عند بائع اليانصيب الصبي الذي يعيش في الشوارع تابعاً لعمران، ويبدو متشرباً بمنطقه المنفلت أيضاً يبدي شراسة عاطفية مفرطة لصالح مريم، دون فهم الأسباب والدوافع والمبررات. أضف إلى ذلك تبدو الحجة ضعيفة تماماً في الرد على العنصرية اللبنانية المتمثلة بالشخصية التي يلعبها جورج خبّاز وتترك فرصة لرجحان الرواية اللبنانية المتعصبة ضد جميع السوريين. إذ يغيب العمق الوافي لمناقشتها بهدوء ونسف فكرة التعميم القاتلة التي غرق فيها كثيرون، وإبعاد جريرة التجاوزات التي ارتكبت أثناء الوصاية السورية، عن اللاجئين السوريين الذين هربوا من نيران الحرب التي عانى منها اللبنانيين طويلاً!

لكن بعيداً اعتراض كاتب المسلسل العلني والصريح على التعديلات الجذرية التي أجراها المخرج وحرف الشخصيات عن مسارها المكتوب على الورق ونسب الجهد إلى ورشة افتراضية سمّتها الشارة «ورشة الصبّاح» يمكن التعقيب النقدي على الحلقات العشرة الأولى من المسلسل.  تبدأ نقطة الخلاف مع منطق العمل بشكله النهائي بدءاً من شارته وظهور اسم ورشة افتراضية لا  يفصح عن اسمائها، كأننا أمام ورشة تهريب أو تجارة آثار؟! كيف يمكن للمشاهد بأن يقبل متابعة مادة بصرية تحكي عن أكثر المواضيع المعاصرة حساسية وهي تبادل العنصرية اللبنانية السورية والمعارك الباردة والحامية بينهما على خلفية تاريخ مربك بين البلدين الجارين، دون نسبها لكّتاب بأسمائهم الصريحة، إلا إذا كان المسلسل خطيئة لا يريد أصحابها ظهور أسمائهم عليها، أو أن الحركة ليست سوى مداراة للخلاف الحاصل والذي أحال اسم الكاتب على الشارة إلى صاحب القصة ونسب السيناريو لورشة الصبّاح.

قد يعجبك ايضا