“الرحيل إلى الوجه الآخر” رحيل فائق عرقسوسي في دمشق
فائق عرقسوسي ... المشهد الأخير في دمشق!
9/ نيسان (إبريل) 2023
وسام كنعان
«في غيابي، اقتلعوا الشجرة التي حفرتُ عليها اسميْنا. ولتعويضي عن خسارتي العظيمة، اقترحوا أن أطلب ما أشاء، مكاناً لاسمينا معاً، ومن خشبها، يصنعونه لي فوراً: مقعداً، مائدةً، لعبةً، سُلَّماً، شجرةً.. قلتُ: مَركباً … فصنعوا تابوتاً». تقول الشاعرة التونسية سامية ساسي تلك الجمل الموغلة في الأثر فلا نجد خيراً منها لنعيها بعدما رحلت قبل فترة وجيزة! لعلها نعوة مناسبة أيضاً للمثل السوري فايق عرقسوسي (1949 ــــــ 2023) الذي غادرنا قبل قليل بعد معركة مع المرض.
من حي الشاغور الدمشقي انطلقت رحلة الرجل الذي سيّجها بالشغف المطلق تجاه المطارح التي تعتبر أصلاً منبعاً لذاك الشغف! فمنذ البداية كانت الرغبة لعملة واحدة بوجهين مختلفين. الرياضة أو الفن، ورغم احترافه التمثيل إلا أن المكان الذي لابد أن تلتقيه فيه هو ملعب كرة القدم أو صالات كرة السلة وتحديداً في مباريات نادي الوحدة الدمشقي الذي تعلّق به طيلة حياته، وقد نعاه النادي بشكل رسمي كأحد أبرز المشجعين والداعمين للنادي.
في المدرسة أدى دوراً في المسرح وهو بعمر ال11 عشر ومات دون أن ينسى الجملة الأولى التي قالها في مسرحية بعنوان «عمر والعجوز» بينما تلهي الأم أولادها بطهي الحصى لأنها لا تملك شيئاً فيقول «أمّاه غذّيني الجوع يؤذني، قد هدّني الجوع يا أمي فاحميني» موهبة التمثيل والتقليد الغضة آنذاك ظلّت بعيدة عن علم الأهل، لحين انتسابه لفرقة شاواش بقدويان كمغني صولو وحينها وجه له المغني السوري الراحل رفيق شكري نصائح عدة. لكّن القافلة نحت باتجّاه التمثيل، ومن هوليود الشرق بدأ دراسته للتمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية باعتبار أنه لم تكن دراسة التمثيل متوفرة في الشام، رغم أن الفكرة كانت دراسة معهد التربية الرياضية لكّن الاختبارات كانت قد انتهت، أرسل لوالده وأخبره بما جرى وتحصّل على مباركته، ثم توّجه لدراسة التمثيل و من بين قرابة 900 متقدم قُبل 64 تخرّج منهم 24 بينهم عرقسوسي وجهاد سعد. جرّب تطويع الغناء لصالح التمثيل، لكنه تفرّدّ بالتمثيل لتكمل مسيرة الغناء عنه ابنته المغنية المعروفة نور عرقسوسي.
بالتلفزيون المصري بدأ المسيرة بمجموعة سهرات تلفزيونية، إضافة لعروض مسرحية مع فرقة اسمها «شباب البحر» ثم عاد أدراجه إلى دمشق ومنذ سبعينيات القرن الماضي قدّم الراحل مجموعة كبيرة من عروض المسرح والمسلسلات التلفزيونية وبعض التجارب السينمائية. وقد واكب فترات التأسيس الدرامي في سوريا. ومر على كلّ المراحل اللاحقة. ومن أعماله التلفزيونية «حارة نسيها الزمن» و «ليزهر قلبي» و «أعلام من الإسلام» و «قتل الربيع» و «دومينو» و «بقعة ضوء» و «الولادة من الخاصرة» و «زمن البرغوث» و «ياسمين عتيق» و«الرحيل إلى الوجه الآخر» وهو أحد عناوين رحيله اليوم.
وقد تحوّل الفيسبوك السوري إلى خيمة عزاء تناقلت صوره والتعازي برحيله من زملائه ومحبيه وكان الأبلغ أثراً نعوة ابنته نور التي كتبت كلمات مؤثرة شكرته فيه لأنه تعرّف على أمّها وتزوجها بعد قصة حب عاصفة وقد صار الوقت ليرحل إلى جانبها، وشكرته لأنه ترك لها أخوة تستند عليهم!