5 يوليو 2023
أمامة أحمد عكوش – كاتب وصحافي سوري
ما الذي يحصل إن سنحت الفرصة لأحدنا “العودة بالزّمن” ومحاولة تغيير الماضي، أو تغيير حدث فيه؟!.. هل هذا ممكن أصلاً؟ هل للماضي أنياب “من نوع خاص” يحارب بها إن حاولنا العبث “معه وبه” ومن خلال “حاضره حينها”؟!.. هل حاضر الماضي مُتَفَرِجَاً فحسب؟.. هل المشاعر في زمننا مختلفة عن غير زمن؟ هل مشاعرنا في الماضي غير مشاعرنا في الحاضر؟ بعيداً عن مشاعرنا كـ”بشر وآدميين”.. هل للماضي مشاعر تخصّه؟ وماذا عن مشاعر الحاضر؟ وسط كلّ هذا.. أين المستقبل؟.
خيال علمي ..
هذه الأسئلة ما أجابت عنها مسلسلة درامية تلفزيونية أمريكية، عُرضت مطلع عام 2016 عبر منصة “هولو للبثّ الرّقمي”، وحملت عنوان “11.22.63”، التي عرّف عنها صناعها، أنَّها مسلسلة قصيرة من ثماني حلقات – لكل حلقة عنوان – قوامها “التّشويق والإثارة”، وعامودها الفقري “الخيال العلمي“، مبنية على رواية بنفس الاسم للكاتب الأمريكي الشّهير ستيفن كينغ، الإخراج العام لـ “كيفن ماكدولاند”، وإنتاج (باد روبوت برودكشن، و تلفزيون وارنر بروس)، كلّ حلقة من حلقاتها حملت توقيع “سيناريست أو أكثر، ومخرج” مختلفين عن باقي الحلقات، وحمل العمل توقيع المنتجين المنفّذين (جاي جاي ابرامز، وستيفن كينغ، وبريان بيرك)، وبطولة (جيمس فرانكو، وكريس كوبر، وسارة جادون، وجورج ماكاي، ودانيال ويبر، ولوسي فري، وجوش دوهامل). هي واحدة من الأعمال التّلفزيونية النّادرة التي تناولت حادثة اغتيال الرئيس الأمريكي جون اف. كينيدي، في ديلي بلازا بـ دالاس في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1963، الحادثة التي أثارت جدلاً كبيراً وقتها – وحتّى وقتنا هذا – وغيّرت مسار الولايات المتحدة الأمريكية للأبد.
العودة بالزّمن ..
تدور أحداث “11.22.63” عام 2016، في حلقتها الأولى التي حملت عنوان “حفرة الأرنب”، حول مدرّس في مدرسة ثانوية من ولاية “مين” يدعى جيك ابينج/جيمس أمبرسون “جيمس فرانكو”، يطلب منه صديقه – صاحب مطعم – مريض السّرطان آل تمبلتون “كريس كوبر” الذي شهد على انفصال جيك عن زوجته توّاً، أن يعود بالزّمن إلى تكساس عام 1960 عبر خزانة في مطعمه – ما أن يدخل أحد إليها حتّى يصبح في تاريخ “قبل الحالي” بـ 56 عاماً – وهذه العودة غرضها منع اغتيال الرَّئيس الأمريكي جون كينيدي “حسب تمبلتون”، الذي حاول ذلك سابقاً – ولم يُوَفَّق – ، على أمل عدم تولّي خليفة كينيدي “ليندون بي. جونسون” السّلطة من بعده وتصعيد تدخل الولايات المتحدة في حرب فيتنام، “أنقذ حياة كينيدي .. وستجعل العالم أفضل، لا تحاول تغيير أي حدث آخر في الماضي لأنك ستفشل، حاول أن تغيّر هذا الحدث فقط” بعض من كلمات تمبلتون لـ جيك، كـ محاولة لإقناعه بقبول المهمّة. يتردّد جيك في البداية، إلَّا أنَّه سرعان ما يقتنع، ليشرح له آل محاولاته وأخطائه السَّابقة، “العيش في الماضي سيضطرّك إلى أن تكذب في كلّ شيء .. وهو ما لن تستطيع تحمّله” بهذه الكلمات يعبّر آل لـ جيك عن صعوبة المهمّة، ويختم بالقول: “ولكن ليس الكذب أقسى جزء .. بل الحبّ .. إن أحببت، فإنَّ مشاعرك ستنسيك مهمّتك التي عدتّ بسببها إلى الماضي”. يعود جيك إلى الماضي ويبدأ بالبحث عن شخص يشتبه بكونه مسؤول عن التّدبير للعملية، لكنّه يكتشف أن الماضي يقاوم بشدّة أي حوادث تغيّره، وهو ما سيصعّب المهمّة فعلاً “كما قال له صديقه آل”.
الحبّ .. الذّبح!..
يختبر جيك في الحلقة الثّانية التي حملت عنوان “أرضية الذّبح”، قدرته على تغيير الماضي من خلال محاولة منع قتل أفراد أسرة أحد طلابه المستقبليين من قبل والده “مدمن الكحول” فرانك دانينغ “جوش دوهامل”، الذي قتل أيضاً في وقت سابق شقيقة بيل توركوت “جورج ماكاي”، الذي يعترف له جيك أنّه قادم من المستقبل، ليصبحا بعد فترة وجيزة “أخوة”. فيما تدور أحداث الحلقة الثّالثة “أصوات أخرى، غرف أخرى” حول مساعدة بيل لـ جيك بالانتقال إلى “فورت وورث”، ومراقبة المتّهم الرّئيس باغتيال كينيدي والذي يحمل اسم لي هارفي أوزوالد “دانيال ويبر” العائد لتوّه من روسيا، والمقتنع أنّ على العالم بما فيها أمريكا أن تتبع “الماركسية”. وليغطّي جيك على أنّه عائد من المستقبل، يجد لنفسه وظيفة مدرّس في مدرسة بلدة قريبة “جودي” – التي ستحمل منعطفاً كبيراً في السّلسلة الدّرامية “الوقوع في الحبّ” – ، إذ أنّ جيك تعرّف في المدرسة على أمينة مكتبتها سايدي دنهل “سارة جادون”، ووقع في حبّها – وهو ما حذّره منه صديقه من المستقبل ” تمبلتون” – . وقعا في الحبّ من النّظرة الأولى، وترسّخ حبّهما عبر “الرّقصة الأولى، فالقبلة الأولى”.
عيون .. الحقيقة!..
أمَّا الحلقة الرَّابعة “عيون تكساس”، والتي تشهد محاولة جيك وبيل اقتفاء أثر أوزوالد الذي يتدرّب على استخدام قنّاصة، ممّا يزيد شكوكهما حوله، ومن جديد.. يعرقل الماضي محاولاتهما هنا، كما يفعل ذلك أيضاً.. جرَّاء عودة زوج سايدي، والذي يرفض إتمام انفصالهما، علاوةً على اكتشافها أمر المراقبة والتّسجيلات في قبو منزل جيك وبيل. وفي الحلقة التي تليها “الحقيقة”، يستعدّ “الأخوة” لمعرفة تورط أوزوالد في محاولة اغتيال فاشلة للجنرال والكر، وها هو الماضي يتدخل مرّة أخرى، إذ يطلب طليق سايدي من جيك القدوم إلى منزلها الذي يحتجزها فيه كرهينة – وهو ما يجعل من جيك مضطراً إلى الابتعاد عن المهمّة الأساسية تاركاً إيّاها لـ بيل – ، يذهب جيك إلى منزل حبيبته “الرّهينة”، يتواجه مع طليقها، يقوم وحبيبته بقتله، في ذات الوقت.. يُخَيَّلُ لـ بيل في المكان الذي من المفترض أن يراقب فيه أوزوالد، أنَّه شاهد أخته الميتة. إذاً.. مشاعر جيك تجاه حبيبته أضاعت عليه المهمّة .. ومشاعر بيل تجاه أخته أضاعت عليهما ذات المهمّة.
الذَّاكرة!..
يكتشف جيك في الحلقة السّادسة “عيد ميلاد سعيد”، أنَّ بيل أصبح على علاقة مع مارينا “لوسي فري” زوجة أوزوالد، وأنّهما “بيل وأزوالد” قد أصبحا صديقين، ليخشى جيك على بيل أن يصبح القنّاص الثّاني في عملية الاغتيال، لذلك يقرّر إيداعه مستشفى المجانين. وبعد أن يتأكّد جيك أنَّ أوزوالد يعمل وحيداً دون تورّط المخابرات، يقرّر قتله، ولكنّ الماضي يأبى ذلك، حيث يتعرّض جيك لهجوم من قبل وكيل رهانات وعصابته، يؤدي لإصابته إصابة بالغة في الرّأس، ممّا يفقده ذاكرته، وهو الذي يتبين بعد استيقاظه من غيبوبته في المستشفى في الحلقة السّابعة “الجندي الولد”، لتحاول سايدي جاهدة مساعدته على التّذكّر، إلَّا أنّها لا تعرف الكثير من التَّفاصيل، لذا.. يزورا بيل في المستشفى، لكنَّ الأدوية تجعله غير قابل لتصديق إمكانية أنّ العودة من المستقبل حقيقة، بل وَهْم “حسب رأيه”، ثمّ أقدم على الانتحار. ممّا يعني أنّه لم يعد لـ جيك إلّا سايدي لمساعدته في استعادة ذاكرته، ولكنّ زيارتهما إلى منزل أوزوالد كانت كفيلة في إعادة ذاكرته بالمطلق.
المستقبل!..
وصولاً إلى الحلقة الأخيرة “اليوم في سؤال”، والتي تدور في يوم ذكرى اغتيال كينيدي 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1963، حيث يكافح جيك رفقة حبيبته “الماضي” للوصول إلى مكان أوزوالد، الذي يستعدّ لاغتيال كينيدي، ها هما يصلان.. يتعارك جيك مع أوزوالد ويقتله، إلّا أنّ سايدي تقتل أيضاً بـ”الخطأ”. ليعود جيك إلى العام 2016، وليجد أنَّ العالم قد دُمِّرَ، وأنَّ منع عملية اغتيال كيندي، نتج عنها تولّي سياسي عنصري للرّئاسة بعده، ممّا تسبّب بحرب أهلية دمّرت الولايات المتّحدة الأمريكية، وليقرّر العودة إلى الماضي، بغية استعادة الأحداث “كما كانت محدّدة بالأصل من القَدَر”، وهو ما كان. وعند العودة إلى عام 2016 مجدّداً، يسافر إلى “جودي” ليقابل سايدي وقد بلغت الثّمانين من عمرها، وتكرّم في حفل لأعمالها الإنسانية، ليحظيا بـ “رقصة أخرى معاً”.
التّمييز العنصري!..
بدوره.. صرّح المنتج المنفذ الشّهير ابرامز حول 11.22.63: “اغتيال كينيدي مثل الشّبح الذي يخيم على هذا البلد، يمثّل الهوس بنظرية المؤامرة الذي لا يتوقّف الجدل بشأنه أو الانقسام حوله، ويبدو أنّه لا حلّ له الآن كما لم يكُ في السّابق، إنّ المسلسل يلمس وتر الحنين للماضي، لحقبة السّتينات، حين كان نمط حياة الرّجال والنّساء في الملبس والطعام، لا تتجاوز تكلفته بضعة سنتات، لكنّه أيضاً يستعرض الجانب المظلم مثل التّمييز العنصري، تلك الفكرة عن كيف كنّا في تلك الحقبة؟ وكيف أصبحنا في مجال العلاقات العرقية؟.. أعتقد من المؤسف، وغير الملائم، أنّ هذه لا تزال قضية قائمة، ولم يتحقّق بها الكثير ونحن في الألفية الجديدة.”
نسيت أن أتذكَّر أن أنساها!..
11.22.63 الذي لم يتم التّكلم عنه في البلدان العربية كثيراً، رغم أنّ تقييمه العالمي أكثر من جيد، كما أنّ تقييمه على الـ “IMDB” بلغ 8.1 من 10 . العمل الذي تمّ إخراجه بشكل جيد، حمل أيضاً جملاً، وظِّفت في مكانها، وضمن سياق الطّرح كما يجب، علاوةً على كونها تحمل في طيّاتها الكثير من الحكمة، وتحتاج إلى التأمّل، منها: “حتّى السّاعة المعطوبة تكون صائبة مرّتين في اليوم .. نخب من هنا إلى الخلود، ونخب البدء من جديد .. الكرامة تهمّ بعضنا .. أحياناً يضطرّ النّاس إلى القيام بأعمال رهيبة، لجعل العالم مكاناً أفضل .. نسيت أن أتذكَّر أن أنساها .. بما أنّنا دخلنا هذه القاعة، دعونا نرقص”.