وهل الإنسان في النهاية إلا أثر – د.وليد الصراف

16 ديسمبر 2023
د.وليد الصراف – شاعر عراقي
كثير ممن يتوهمون ان لهم صلة بالشعر يعيشون ويموتون والشعر لايشعر بهم وينطبق عليهم قول الشاعر العربي:
الحَمدُ لِلَّهِ لا صَبرٌ وَلا جَلَدُ
وَلا عَزاءٌ إِذا أَهلُ البَلا رَقَدوا
خَليفَةٌ ماتَ لَم يَحزَن لَهُ أَحَدٌ
وَآخَرٌ قامَ لَم يَفرَح بِهِ أَحَدُ
فَمَرَّ هَذا وَمَرَّ الشُؤمُ يَتبَعُهُ
وَقامَ هَذا فَقامَ الشُؤمُ وَالنَكَدُ
من النادر أن يموت فرد فترتدي القصيدة الأسود وتوقف بحور الخليل الملاحة ثلاثة أيام حزنا عليه. من هؤلاء النادرين الشيخ عبدالعزيز البابطين صاحب معجم البابطين والذي وظف أمواله لإقامة المحافل الأدبية وطبع الكتب وإجراء المسابقات وأطلق فضائية البوادي دون أي غرض سوى خدمة الشعر العربي والوعي بأهميته فكانت مؤسسته من أدل المؤسسات على أن الدنيا ما زالت بخير فلا مصالح ولا أيديولوجيا ولا علاقات عامة تفضي إلى تبادل منافع وصفقات ونساء رخيصات ولا أي مما نسمع به مما يزكم الأنوف في زمننا هذا وقد رأيت بعيني رقيه وترفعه وما راءٍ كمن سمع كما يقول الشاعر. تعرفت الرجل في الكويت قبل أشهر وبعد أن ألقيت قصائدي قال لي في اليوم التالي أحد أبنائه: كان طيلة الليلة الماضية يتحدث عنك؟
ويوم ألقيت للمرة الثانية وكانت قصيدتي آخر ما ألقي في المهرجان استوقفني بعد دقائق وأنا أغادر القاعة ليعرب بتواضع الكبار عن إعجابه بقصيدتي “حدباء لا تقتطي” وبالموصل وقال فيما قال ان له علاقات قديمة جدا برجالات من الموصل وقد لاحظت وهو يتحدث معي سرا غامضا في وجهه ونبرة صوته يستشعره الاطباء أحيانا ويحدسون أنّ مرضا ما مزمنا يشفّ من وجه الرجل العزيز الأثير لدى الشعر وأهله.
كم أنا حزين يشاطرني الحزن قراؤه وأصدقاؤه والمطربون الذين غنوا له وكل من عرفه وسمع بمآثره ومنها سعيه في الخير ووساطته لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية والكثير من المآثر التي لا تتسع لها سطور ويستحيل فيها الحبر الى دموع زرقاء..
في قفرة وعرة يمضي بنا العمرُ كم التفتنا فلا رسم ولا أثرُ
قاس هو الوقت يمحو كلّ حادثة كجارح مخلباه الريح والمطر
ما أروع أن نموت وقد تركنا أثرا
وهل الإنسان في النهاية إلا أثر يتحدى الريح والمطر بإنسانيته العالية.
May be an image of 1 person and text
قد يعجبك ايضا