27 يونيو 2923
محمود عبدالشكور – كاتب وناقد من مصر
لست مما يعتقدون أن توفيق الحكيم كان بخيلا بالصورة التى تروى عنه فى نوادر مشهورة، ربما كان حريصا بعض الشىء، ولكنه كان يكرّس بالأساس لما يمكن أن نسميه “نجومية الأديب”، أى أن تهتم الصحف بالأديب كنجم، وكشخصية عامة، فى تفاصيل حياته العادية، وليس فيما يتعلق بأدبه فقط، ومن هنا جاءت حكاية بخل الحكيم، وحمار الحكيم، وبيريه الحكيم، وعصا الحكيم، وعداوة الحكيم للمرأة.
فى باب البخل حكايات كثيرة جدا أذكر منها ما كتبه ثروت أباظة فى كتاب “ذكريات لامذكرات” ، فذات يوم توفى والد صديق للأدباء الثلاثة: الحكيم ونجيب محفوظ وثروت أباظة، فاختاروا أن يبعث كل منهم برقية عزاء، ولكن توفيق الحكيم نجح بلباقته فى إقناعهم بأن يرسلوا برقية واحدة بأسمائهم جميعا، بل إنه أقنعهم بصيغة متن البرقية ، الذى لايزيد عن ثلاث كلمات فقط هى :” أحسن الله عزاءكم” ، وأقنعهم أيضا بأن تقسم تكلفة البرقية بالتساوى ( وهذا مربط الفرس) عليهم جميعا، ولكن عند حساب التكلفة الإجمالية بالعنوان والأسماء، اتضح أنه من الصعب تقسيم التكلفة بالتساوى بالضبط، ورغم تطوع أباظة ومحفوظ بأن يدفعا الفرق، فالأمر لا يستأهل هذه الحسبة المعقدة، إلا أن الحكيم أصر على فكرة التساوى، حتى لا يظلم أحدا ، واقترح لحل إشكالية عدد الكلمات، حذف كلمة من البرقية، ليتحقق توزيع التكلفة بالتساوى. يقول ثروت أباظة إن الحكيم كان له أخيرا ما أراد، فأرسل الأدباء الثلاثةث أغرب برقية تعزية تتضمن كلمتين فقط هما :” أحسن الله” ، بينما حذفت كلمة “عزاءكم” ، لكى يستريح الحكيم بتحقيق الحساب المضبوط !
هذه الحكايات تجعل من الحكيم بطلا فى قصة، شخصية درامية فنية مثل أبطال البخلاء للجاحظ، ونجما فى المجتمع العام الذى يهتم بالنوادر، أكثر بكثير مما يهتم بالأدب، بهذه الحكايات عاش الحكيم عمرا إضافيا على عمره الأدبى العظيم .