8 يوليو 2023
حاوره: هاني نديم
ناصر حسين، فنان تشكيلي سوري، بمفردات وثيمة بصرية هائلة الجمال والخصوصية، يختزل عوالمه وكائناته في ألوان فاتحة ولوحات واسعة وكأنها بقايا أحلام، وإن كان ثمة مدرسة شعرية في الفن التشكيلي لكان ناصر حسين واحداً من مؤسسيها وملهميها.
ذاع صيته في ألمانيا وحاورته وهو يعمل على مشروع فني كبير في برلين، تبادلنا الحديث عن شؤون التشكيل وسوريا والهجرات والنقد.
سألته:
- انتقلت من حلب إلى ألمانيا، هلل تغيرت تقنيتك وألوان وكائناتك أم ذهبت معك؟
-بين حلب وألمانيا كانت فترة دراستي في كليه الفنون في دمشق، بعدها حصلت على منحة من ألمانيا لإكمال دراستي بأحدى أكاديمياتها، كانت فرصة دراستي في أكاديمية دوسلدورف العريقة هي الفترة الأهم في مسيرتي الفنية، حيث حصلت على قبول من فنان نمساوي إسمه زيغفرد انتسينغر، وهو أحد أهم فنانين أوربا وواحد من مجموعة ما يطلق عليهم “الوحوش الجدد” إلى جانب بزالتس و لوبيرتس.
وعدا ما تعلمته من معلمي، كانت هنالك فرصة لزيارة المتاحف وقاعات العرض، كل هذا أثر فيّ حتما، أستطيع أن أقول تغيرت أشياء كثيرة في عملي، اختفى كل ما هو غير ضروري في لوحتي وتغيرت طبيعة الشخوص ومزاجها.
فجأة خرجت من منطقة محدودة الإنتاج فنياً من حيث الكم والتنوع، إلى منطقة فيها كمٌّ هائل من الإنتاج المتنوع ومن الثقافات المتنوعة والمتعددة، في زمن قبل وجود فضاء الانترنت، هذا حتما غير في لوحتي وطريقة تفكيري.
- تتقدم إلى اللوحة وهي بيضاء.. بم تفكر تماما وأنت تواجهها؟ وبم تفكر بعد الانتهاء منها؟
– بالنسبة لي لا توجد وصفة محددة لبداية عمل جديد، أحيانا هناك تكوين أو فكرة في ذهني، ومع مراحل العمل قد أجد نفسي في مكان آخر أو أنهي ما بدأت به، وقد أبدأ عملي بدون أي تصور مسبق.
في هكذا حالة عادة ما أبدأ بمساحات لونية مجردة من أي تشخيص، وهذه المساحات توحي لي بتكوين ما أو فكرة ما. تأتي لحظة أشعر فيها أن اللوحة انتهت فأتركها.
في اليوم التالي أصل المرسم لأبقي على العمل أو ألغيه، منذ سنوات كان يشغلني سؤال محدد خلال إنتاج العمل وبعد الانتهاء منه، السؤال هو: ما هو الفن؟ هل ما أفعله هو فن؟، هل اللوحة التي انتهيت منها عمل فني؟ بعد فشلي لسنوات بإيجاد تعريف الفن، وضعت السؤال خلف ظهري.
أفكر أثناء الرسم بتفاصيل تتعلق بمشهد أصنعه سيأخذ مساحة من الفضاء الذي نعيش فيه، في حساسية المشهد اللونية وبنائه، ولأي درجه هذا المشهد خاص، هذا ما يهمني. وبعد الانتهاء منه أفكر إذا كان علي أن أترك العمل ويشغل مساحة من هذا الفضاء أم الأفضل أن ألغيه وأحاول من جديد.
نفتقر لمتخصصين في الكتابة عن الفن ونتاجه. وما يكتب بالصحف من متابعات للعروض الفنية هي مجرد متابعات وأغلبه مبالغات شعرية لا قيمة له
- هل هناك حركة نقدية عربية توازي ما يقدم من أعمال تشكيلة مذهلة؟
– وجود ناقد في هذا البلد وثلاثة في ذاك البلد ” في حال وجدوا” ، مع تحفظي على تسمية ” ناقد ” لفوقيتها، لا يعني وجود حركة نقدية، أستطيع أن أقول أننا نفتقر لمتخصصين في الكتابة عن الفن ونتاجه. وما يكتب بالصحف من متابعات للعروض الفنية هي مجرد متابعات وأغلبه كلام مكتوب بجمل فيها مبالغات شعرية لا قيمة لها هنا في الكتابة عن العمل الفني، هذا مؤسف، وأعتقد نادراً ما نجد باحثا فنيا مبدعا في وطننا العربي.
- حدثني عن البدايات، وأهم المنعطفات التي صنعت لوحتك؟
– انشغالي بالرسم واهتمامي به بدأ مع افتتاح أخي الفنان علي حسين صالة للعرض في حلب عام 1982 اسمها صالة سومر، ذالك الوقت لم يكن دارجا استخدام مفردة ” غاليري” وكانت افتتاح العارض فيها بهجة مختلفة عن اليوم، لندرة هكذا أحداث وقتها وللطقوس المرافقة للافتتاح، مثل الموسيقا التي تسمعها من آلة تسجيل مخفية وراء جدار ما، والندوات التي تقام في الكثير من الأحيان بمناسبة معرض ما مقام.
كنت وقتها بعمر 11 سنة، وبرعاية أخي لي، اكتشفت مناخ حلب الفني و الثقافي وتعرفت على غالبية فنانيها وكتابها والكثير من الفنانين الذين كانوا يزورونها أو يعرضون فيها، وبدأت متابعتي من وقتها للمعارض التي كانت تقام في مدينة حلب، وكانت محصورة في المتحف الوطني وصالة إيبلا لمديرها الفنان الراحل سعود غنايمي وصالة سومر.
بعد سنوات قليلة درست في مركز فتحي محمد للفنون التشكيلية بحلب، وكان لي الحظ أني درست لدى الفنان عبد الرحمن مؤقت في اختصاص النحت، وخيرو حجازي ووحيد مغاربة في الرسم والتصوير.
بعدها تأتي مرحلة الدراسة في كلية الفنون في دمشق ومن ثم مرحلة ألمانيا. أنا من الرسامين المحظوظين، لقد درست أكاديميا عند وحيد مغاربة ونذير نبعة وإلياس زيات ومروان قصاب باشي ودانييل هيس وزيغفرد انتسينغر. كل هذه الأسماء كرّست الشغف في روحي ورعت مسيرتي التي تعرفها.