5 أغسطس 2023
جمال سامي عواد – كاتب وباحث من سوريا
احتاجت السيدة فيروز سنتين لتقوم بتسجيل أغنية “كيفك أنا” التي كتبها و لحنها زياد الرحباني.
و لدى سؤال المذيعة له في أحد اللقاءات المتلفزة عن سبب ذلك قال :
نقْعَتْها… إذا عندك بقعة صعبة على قطعة ثياب بتنقعيها مهيك؟
وهي “هيك” نقعتها سنتين.
فيروز كانت محظوظة جداً في نيل فرصة “النقع”،
ففي هذا الطوفان الهائل من المعطيات و المعلومات و الأحداث و العلاقات و النظريات و الموسيقا و الفن و الأدب، يبدو “النقع” ترفاً مبالغاً فيه نظراً لإلحاح الطلب في تحديد استجاباتك، و نظراً لإغراء الدهشة الفاتكة و الطاغية كسكر حلويات هذا العصر، حيث يصعقك بحلاوته التي لن ترضى عنها بديلاً بعد ذلك، و يربط حول عنقك انشوطة المشنقة، ليعلقك على واجهة هائلة الحجم في معرض “للكائنات شبه البشرية” .
النقع بهذا المعنى المجازي الجميل الذي استخدمه زياد، ينطوي هلى تقنية عقلية بالغة الأهمية. فهو يحشر المعلومة (الفكرة، أو الشخص، أو الأغنية،النص…. إلخ) في غرفة انتظار مريحة،لفترة كافية تتيح لها (و لنا) التخلص من كل الزوائد و الماكياجات والوصلات و الطلاءات. فالعدو الأخطر لهذه الأشياء هو الزمن، لأنها مصممة بشكل خاص للاستخدام المؤقت،العاجل، قصير الأمد.
و من جهة أخرى، فإن “النقع” يتيح للناقع فرصةً للهدوء و الحياد الإيجابي تجاه كل ما هو جديد، مع الاحتفاظ يالبصمة الخاصة. ويسمح للفطرة السليمة بأن تأخذ قسطاً جيداً من الراحة لطرح سموم قنابل الميديا، التي تنهال على اعصابنا بقصف عنيف ومتواصل، يتناول أعمق ما فينا، و أكثره خصوصية وأهمية، بهدف حعلنا عبيداً لمشاعر الدهشة و المتعة العنيفة السريعة القاتلة للروح كالمخدرات.
انقعوا ما شاء لكم النقع.