تمارا حسين العطية – كاتبة من العراق
اعترض مسار النملة في غرفة نومٍ مسار ساكن الغرفة. فما كان له، من ردة فعل معتادة، إلا أن يدعسها بقدمه. حين رفع قدمه كان أمامه مشهد قاتم، لا دموي.
المشهد لعين نملة أخرى في نفس الغرفة: خطوط شعيرية سوداء صغيرة، تكدس اثنان منها فوق خط اسمك يحاكي ماهية جسد، وخطان أخران ارتفعا جانبا،ً وأخيران مستقران باتجاه الجاذبية.
وكانت كل هذه الخطوط السود (الأطراف) في حركة هياج مستمرة وباتجاهات مختلفة، بينما كان الخط الأسمك (الجسد) يتجه يمينا ويساراً. كانت الكومة السوداء الصغيرة هذه قد دخلت في حالة استنفار.
المشهد لعين نملة أبعد: هيئة صغيرة تتلوى وهي تحاول إرجاع أطرافها الهائجة إلى أماكنها الصحيحة، وأن تقوم، بلا جدوى، بُنيتها التي تضررت.
المشهد لعين ساكن الغرفة: نملة لا تستطيع تكملة طريقها نحو مخزون الشتاء القادم. استمر بمراقبتها وبدأ سيلٌ من الأسئلة.
المنطقية يشغل رأسه: كيف ستلبي هذه غايتها في المؤونة؟ وكيف ستمضي في حياتها بطرفين فقط؟ هل يراعي مجتمعها من هم من ذوي الاحتياجات الخاصة؟ وكيف ستنخرط في مجتمعها هذا، المنهمك عن ظروف يد عاملة اخرى! رقم مشطوب لن يؤثر على أرقام الحصاد الكلي،
على كل حال!
أخذ يشعر بكل ما يجب أن يشعر به، وما يندر أن يُشعَر به. أحس بالغثيان. عرف أنه سبب شقاء جديد في وجود هذه النملة الممل. أدرك أنه لها الاقدار المشؤومة التي ننجو منها يوميا مصادفة لا أكثر.
حملها ووضعها على شرفة الشباك لتكمل ما تبقى من حياتها التي اختلفت تماما،ً بسببه. استقبلتها نملة أخرى وصارت تعاين جسدها وأطرافها المتفككة وطريقة مشيها المنهكَة، ثم قالت لها ببرود:
“اصبري على كل هذا الآن، لكِ أكوام من المؤونة عندما ينتهي كل شيء!”