21 اغسطس 2023
يارا حسين _ بلومبيرغ
في وقت ناهزت فيه درجة الحرارة 42 مئوية في جنوبي أوروبا، كانت أجزاء من شوارع مدينة إشبيلية الإسبانية مبرّدة تلقائياً، وتحديداً منطقة قناة كارتوخا التي لم تعد مجرد مرفق سياحي، بل نموذج لكيفية استخدام وسائل التبريد الطبيعية.
وخلال يونيو ويوليو الماضيين، اعتبرت إشبيلية أحد المدن الأوروبية الأكثر تضرراً من موجة الحرّ التي هددت صناعة السياحة التي تجلب عائدات تتجاوز تريليوني دولار، كما تعرّضت صحة آلاف الأشخاص للخطر، لكن منطقة قناة كارتوخا وفرت نموذجاً مختلفاً جمع بين آليات التبريد التلقائي، والهندسة المعمارية الفريدة.
يعادل حجم منطقة قناة كارتوخا نحو ملعبين لكرة القدم، وتضم مساحات خضراء ومتنزها ومنطقة مظللة تحتوي على مقاعد، وتعبرها قنوات ماء تحت الأرض مستوحاة من العصر الأندلسي يمكن أن تخفض الحرارة نحو 10 درجات باستخدام الهواء والماء والطاقة الشمسية.
يقول المهندس المشرف على المشروع، خوان لويس لوبيز: “اعتمدنا نظام تكييف استخدم تقنيات ومواد طبيعية لخفض درجات الحرارة، يشمل قنوات ماء تحت الأرض.
في الليل تتدفق المياه عبر قناة خارجية فوق ألواح شمسية موجودة على السطح، ثم إلى خزانات عملاقة تحت الأرض، وتؤدي درجات الحرارة المنخفضة ليلاً إلى تبريد الماء، وحين ترتفع درجات الحرارة في الصباح، تدفع المضخات التي تعمل بالطاقة الشمسية الماء عبر أنابيب صغيرة تمر أمام مراوح لتوليد هواء بارد، وتسمح فتحات صغيرة في الأرض بتسرّب تيار منعش إلى المنطقة، فتنخفض الحرارة فيها مقارنة ببقية الشوارع، كما تساعد المساحات الخضراء والأشجار في تبريد المناطق المحيطة”.
أُنجز المشروع الذي بلغت كلفته 5 ملايين يورو (5.6 ملايين دولار) في أكتوبر 2022، بتمويل من الاتحاد الأوروبي. وفي يوليو/ تموز الماضي، قال رئيس بلدية إشبيلية، خوسيه لويس سانز: “نريد أن نحصل على تمويل من الاتحاد الأوروبي لدعم مزيد من المبادرات المماثلة”.
كانت المنازل القديمة نموذجاً في كيفية مواجهة تقلبات الطقس، لكن مفاهيم التطور العمراني تبدلت نتيجة عوامل عدة منها النمو السكاني، وحلّت مباني الإسمنت الطابقية بدلاً من البيوت المستقلة، ما جعل درجات الحرارة تصل إلى درجات خطرة في الصيف، خاصة أن موجات الحرارة باتت تستمر فترة أطول، وتصبح أكثر حدة”.
ويقول أستاذ الفيزياء في جامعة إشبيلية، خوسيه ماريا مارتن أولالا، إنه “من أجل إنقاذ الأرواح، ويجب أن تترافق مشاريع مماثلة لمنطقة قناة كارتوخا مع حلول منخفضة التكنولوجيا مثل زراعة الأشجار، علماً أن نحو 5% فقط من مساحة إشبيلية مزروعة بأشجار”.
وفي محاولة لرفع مستوى الوعي العام حول مخاطر درجات الحرارة القصوى والحاجة إلى مزيد من تدابير الوقاية، بدأ مارتن أولالا وباحثون تسمية موجات الحرارة بنفس طريقة تحديد الأعاصير. وأطلق اسم “ياغو” و”زينيا”على موجتي الحرّ الأعلى اللتين شهدتهما إشبيلية في يونيو و تموز من العام الحالي، ولم يفصل بينهما سوى أسابيع قليلة.