قبلة القداسة – د. حسين القاصد

28 ديسمبر 2023 
د. حسين القاصد – شاعر وأكاديمي عراقي
التقبيل له دوافعه، وله غاياته، وله نتائجه المغرية المنعشة المؤملة، في الوقت نفسه؛ فقبلة الحبيب لذتها سريعة ومفعولها كذلك، لكن حرقة انتهائها تحطب الوجدان وتوقد العواطف؛ ورحم الله أبا الطيب حين قال:
للّهو آونةٌ تمر كأنها
قبلٌ يزودها حبيبٌ راحلُ
وهي صورة ثقافية وجدانية التقطها أبو الطيب من تجارب الحياة، ولو ذهبنا البلاغة والنقد الأدبي لاكتفينا ب ( كأن: حرف مشبه بالفعل يفيد التشبيه ب (كافه) وتأكيد التشبيه بدخول الكاف على (أن)، ثم نخلص إلى أن ( اوقات اللهو) هي المشبه، وأن ( قُبل) الحبيب الراحل هي المشبه به، وهذه العملية الجافة لا ترضي طموح ووجع المتنبي ولا ترضي شهية المتلقي، ذلك لأن التواضع على ( تقبيل الحبيب) و( التوديع) رسم صورة ثقافية وجدانية نابضة جداً.
وليس كل التقبيل غرامياً فقد يكون الحبيب الراحل أخا أو صديقاً أو أي عزيز؛ وهناك تقبيل قداسوي كتقبيل القرآن الكريم وتقبيل يد من لهم رتبة القداسة، كالوالدين على سبيل المثال الأقرب، والتقبيل الطقوسي كتقبيل الحجر الأسود؛ والناس تقبل النعمة خوفا عليها من الزوال.
في بلدان كبلداننا تسمى _ تمنيا _ البلدان النامية، فلا هي تنمو ولا هم يفرحون؛ وتسمى بلدان العالم الثالث، وحقيقة الأمر إن بلدان العالم الثالث عشر كثيرٌ جدا عليها؛ أقول: في هذه البلدان وبسبب الفقر انتشر نسق تقبيل العملة النقدية استبشاراً بالرزق وحمداً لله وشكراً، لكن طغاة هذه البلدان استغلوا هذا النسق فوضعوا صورهم على العملة النقدية، فصار المواطن الفقير يقبل صورة الملك/ الرئيس / الأمير، ليمنح لنفسه رتبة من القداسة الإجبارية.
إن اغتصاب الوجدان أو العزف على وتر التقديس وطقوس الناس يعد من أخطر أنواع التدجين والتنويم الثقافي الذي تمارسه السلطات سوطاً تدجينيا تجلد به مشاعر الناس.
قد يعجبك ايضا