فايز العباس: نحن عاطفيون بينما الغربي يمجّد العقل

13 يوليو 2023

حاوره: هاني نديم

خلال العقد الأخير، اتضحت ملامح أدبٍ سوريٍ جديد في غاية الجمال رغم كل ما عاشه من بشاعة، ظهر شباب جدد بعد عقدٍ من المآسي يستعيدون الجمال ويكرّسونه كردّة فعل وثقافة مضادة – إن جازت المقاربة – للخراب والهجرات. 

فايز العباس أحد أصوات سوريا الفريدة التي ظهرت خلال هذه المرحلة، شاعر خاص، رهيف وعميق ودون مبالغات لغوية تذكر. 

التقيته أراجع معه هموم أدبائنا في الخارج. سألته:

  • بدءاً من المشهد الثقافي السوري، كيف تراه من الخارج اليوم؟ ما الذي تغير في نصك أيضاً خلال هذا العقد الموجع؟

– بداية أودّ التأكيد على أنّ المشهد الثقافي السوري الراهن هو وسم يصحّ إطلاقه على كل المنجز الثقافي للمشتغلين في الحقل الثقافي من السوريين في كل مكان؛ مقيمين أو نازحين أو لاجئين، وعليه سأجيب انطلاقاً من كوني جزءاً من المشهد لا مراقباً خارجياً له، أنا العالق في السوري من كل شيء بكل جوارحي، وقد قلت: (أنا لا أفكر بالأماكن لست أذكر من أنا، قلبي يئنُّ من الفراغ وهدَّني أنّي هناك الآن لكنّي هنا).

إنّ المشهد السوري يعيش ثورة حقيقية ربّما يراها المراقبُ غير العارف بالوضع السوري تخبطاًـ بينما أراها مخاضاً. ولا أدلّ على ذلك من التمايز الذي يحاول كلُّ المشتغلين الوصولَ إليه وتحقيقَه. فضلاً عن كونه -أي المشهد- مواكباً للحدث الجلل الذي يمرُّ بسوريا وبالسوريين، ومرآةً لشدّة وضوحها تجرح من ينظر إليها.

أما فيما يتعلق بي فقد صقلتِ المواجعُ نصّي بعد أن كسرت الأحداثُ رتابته فيما كسرت فيه من وزن وقافية، فبات يبكي لأي سبب عابر ويفرح لأي سبب عابر. نصّي الذي أتّكئ عليه كمن يتّكئ على نصل.

  • مع الاحتكاك بالأدب الأوروبي والعالمي، ما الذي تراه من نقاط مشتركة مع أدبنا العربي وما هي أهم نقاط الاختلاف؟ هل نحن موجودون على خريطة الأدب العالمي؟

– الاختلاف الحقيقي يكمن في كوننا عاطفيين، وهذا مما يحسب لنا كما يحسب علينا، بينما تجد الأدب الأوروبي مثلاً عاقلاً وناضجاً عاطفياً، يبتعد عن البكاء ويمجّد العقل. وهذا أظنه السبب في أننا ما نزال غير مندرجين على خارطة الأدب العالمي، أو في كون أدبنا العربي مندرجاً بشكل خجول على الخارطة.

كثير من الأدباء السوريين في الخارج أساؤوا من حيث أرادوا الإحسان

وقد شاهدت بشكل جليٍّ كيف ينظر الغربي إلينا كما ينظر إلى نعامة في السيرك، لها حجمها الكبير لكنها لا تنفكّ تدسّ رأسها في تراب المظلوميات. أما نقاط التشابه فليست هناك سوى نقطة يتيمة تتجلّى في أنّ الأدب -أيَّ أدبٍ- انعكاسٌ للحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وبالتالي الثقافية. ولقد أساء كثير من الأدباء السوريين في المهجر (الراهن) من حيث أنهم أرادوا الإحسان؛ إذ قدّموا للمتلقّي الغربي ما يودّ أن يسمعَه، لا ما يجب أن يعرفه.

  • فايز العباس خارج نصه، ما هي أحلامه، خيباته، أحزانه ومباهجه؟

– أحلامي كثيرة خارج النص أبسطها وأكثرها إبهاجاً أن ألتقي كل السوريين الذين تعرفت إليهم ويحلمون مثلي بغدٍ سوري لا مكان فيه للهوان، أن يتباهى السوري بهويته التي باتت وبالاً عليه، وألا نضطر لتبرئة أنفسنا مع كل حدثٍ مهينٍ، أن نتفق على رأي واحد تجاه عارضٍ ما، فنحتكم فيه لسوريّتنا وإنسانيتنا لا لسواهما. وأن نفرح، نفرح وحسب بعد كل هذا الألم الذي استمرأناه.

  • لمن تقرأ ولمن لا تقرأ؟ كيف تحب نصاً دون سواه؟

– أقرأ كلَّ ما تقع عليه عيناي، ولا يوجد من لا أقرأ له. غير أنّي لا أتابع القراءة لو لم يسحبني النصّ من ياقة قميصي، ويجرني خلفه ليدخلَني عوالمه. أحبُّ النصَّ الذي يأسرني فيفتح الأفق أمامي، النص الذي يمرُّ بين الحواري مثل امرأة لا ترهّل يكتنفها. أحبّ النصَّ الذي يصفع، والنصَّ الذي يجرح، والنصَّ الذكيَّ الذي يتفلّتُ كلّما قلتُ: لقد أمسكته.

قد يعجبك ايضا