عندما هرب شوقي من الخديوي – علي عمران

25 يونيو  2023

 علي عمران – شاعر مصري

في عام 1909م قرّرَ الخديوي عبّاس حلمي الثَّاني السَّفر إلى الحجِّ وكانت الرحلة على ظهور الإبل والخيل عبر الصحراء حتى البحر الأحمر وبعدها من خلال السُّفن حتى شواطئ الحجاز.

اصطحب الخديوي معه في رحلته هذه أمَّه أمينة هانم إلهامي حفيدة السُّلطان العثماني عبد المجيد الأوَّل كما اصطحب معه كبار رجال الدَّولة ومنهم المؤرّخ أحمد شفيق، والشَّيخ محمد شاكر وكيل مشيخة الأزهر الشّريف
والمؤرّخ محمد لبيب البتَنونى الذي سطَّر تفاصيل هذه الرِّحلة في كتاب “الرِّحلة الحجازيِّة”

وطلب الخديوي عبَّاس حلمي الثّاني من شاعر بلاطه وصديقه المقرَّب أحمد شوقي أن يصطحب هذا الوفد وأن يكون رفيقه في رحلة الحجّ
حاول شوقي التملُّص من الموافقة لأنه يعلم أن الرحلة ستكون عبر الصحراء من خلال الإبل والخيل وشوقي يخاف من ركوب الإبل والخيل ولكنّه لا يستطيع الاعتذار فهو ليسَ أكثر ترفًا من أمّ الخديوي التي ستكون ضمن هذا الوفد

غادر شوقي القاهرة في صحبة الخديوي إلى الحجِّ حتّى إذا صار في صحراء العبّاسيِّة غافل الرَّكب وفرَّ من القافلة واختفى في بيتِ قريبٍ لأحد أصدقائه حتَّى مضت القافلة فعاد أدراجه إلى القاهرة وهو يعلم أنّ الخديوي سيغضب من تصرِّفه هذا، فما كان منه إلّا أن كتب قصيدةً اعتذاريِّة في انتظار عودة الخديوي من الحجِّ ليقدَّمها له وكانت القصيدة هي قصيدة “إلى عرفات الله” والتي مدح فيها الخديوى وذكر شعائر الحج وبكى فيها أوضاعَ الأمة الإسلامية وتشتُّتَها.

وقد ذكرَ حسين أحمد شوقي ابن أمير الشعراء هذا الموقف في كتابه
“أبي شوقي”
وقال: كان أبي يضحكُ ملءَ شدقيه كلما تذكَّر هذا الموقف

بدأ شوقي قصيدته الاعتذارية بقوله:
إلى عرفاتِ اللهِ يا ابنَ محمدٍ
عليكَ سلامُ اللهِ في عرفاتِ

وابن محمد هو عباس حلمي الثاني ابن الخديوي محمد توفيق
وكان شوقي شاعر بلاطه وصديقه وكان الخديوي يحب شوقي ويعطف عليه كل العطف ويحب صحبته

وعندما غنَّت أم كلثوم هذه القصيدة من ألحان السنباطي لأول مرة عام 1951 عدَّلت البيت الأول فأصبح:
إلى عرفاتِ اللهِ يا خيرَ زائرٍ
عليكَ سلامُ اللهِ في عرفاتِ
فتحوّلت القصيدة من حالة خاصة لحالة عامة تناسبُ كل مسلم ذاهب لزيارة بيت الله الحرام

ومن أجمل وأصدق أبيات القصيدة قول شوقي:
إذا زرتَ بعــد البيتِ قبرَ محـمدٍ
وقبَّلتَ مثوَى الأعظُمِ العَطِرَاتِ
وفاضَتْ منَ الدمعِ العيونُ مهابَةً
لِأحمَـــدَ بينَ السِّترِ والحُجُرَاتِ
فقُلْ لرسولِ اللهِ يا خيرَ مُـرسَلٍ
أبثُّكَ ما تَـدرِي مِــنَ الحَسَــرَاتِ

****
وَعَدَنا اللهُ وإيَّاكُم بزيارةِ بيتهِ الحرام وقبرِ رسولهِ الأعظم.

قد يعجبك ايضا