5 أغسطس 2023
عبير زرافة – إعلامية سورية
إنها البراءة الممزوجة بالألم تشوبها أحزان أطفال تهاوت ضحكاتهم وانكسرت أحلامهم حتى بلقاء ألعابهم مع شروق شمس يوم جديد.. فما حدث كان أكبر من خيالاتهم البريئة وأحلامهم الطفولية..
السادس من شباط، تاريخٌ .. كيف له أن يُمحى من ذاكرتهم.. وثوانٍ كانت الأقسى في أعمارهم الوردية. ثوانٍ دُفنت معها أجمل لحظات طفولتهم، لحظات عاشوها بكل تفاصيلها خلف الجدران المنكوبة وفي حنايا بيت بات أطلالا، يقف الزمان عندهم عاجزا المكان ليس بالمكان، تغير وتغير معه كل شيء . كيف نبرر لهم هذا الخراب، كيف نخطف من العمر لحظة ننثر فيها بعض الفرح؟
في مركز للإيواء التقيتهم يبحثون في الأرجاء عن بعض أمان وبعض لعب في ساحة مدرسة كان لبعضهم موعداً نرجسياً بلقائها، لكن ليس كهذا اللقاء، يتردد في سمائها صدى ضحكاتهم المعتقة بجرس حزين ويعلو صوت أوجعاعهم : لماذا نحن هنا؟
لا أدري كيف اقتحم عليهم هذا الشعور واغوص في أعماق طفولتهم، كيف لي أن أعيدهم الى قسوة المشهد وأنبش من ذاكرتهم خوفاً عظيماً من مجهول صار لديهم معروفاً: هو الزلزال..
ربما لن أصمد أمام إحساسهم بالوجع. ما أقسى هذا اللقاء.
اقترب منهم للحظات، يعتريني خوف من السؤال وإرباك وتردد وبشجاعة لملمتها من ابتساماتهم الهاربة من لحظة سعادة، من استقبالهم الجميل لي..
بادرتهم بالسلام، وبنبرة خجلى أتابع الكلام ماذا حصل معكم؟ حمدا لله على سلامتكم، أحدهم وبنظرة تختزل عمراً صغيراً وتجربة كبيرة مع الوجع قال : “لا اعرف ماذا حدث كنت نائماً واستيقظت كان البيت يتأرجح بنا. ركضت مذعوراً مع عائلتي وخرجنا من بيتنا الذي لم يعد آمناً للسكن، لن انسى لحظات الرعب والخوف والبرد حيث كنا حفاةً وكان الجو ماطراً وشديد البرودة..
وتابع “كنت سأحضر في هذا اليوم جلائي المدرسي.. اشتقت لمدرستي. أفتقدها كثيرا.”
ويشاطره آخر قسوة اللحظات وهو يريح مابقي من فرحه على حائط مركز الإيواء، حيث التجأ مع شقيق والده المفقود. ويقول اسمي عدنان وعمري ١١ عاما وهذه شقيقتي عبير. عندما حدثت الهزة الأولى شعرنا بخوف كبير ولم نكن نعرف ماذا يحصل ولكن عندما حدثت الهزة الثانية هربنا بسرعة حفاة الاقدام وقضينا الليل في ساحة سعدالله الجابري، وأضاف “نحن هنا مع شقيق والدنا فأبي مفقود وامي متوفية”. وتكمل الأخت التي تكبره بعامين ” كانت ليلتنا الاولى في ساحة سعدالله الجابري وبعدها جئنا الى هنا هنا وجدنا بعض الفرح. لعبنا وحضرنا مسرحية ورقصنا. هنا طلبوا مني أن أكتب وارسم، رسمت يدا وكتبت تحتها هذه يدي “.
وإلى جوار هؤلاء الأطفال، بمكان ليس بعيدا، في ركن هادىء في باحة المدرسة لمحتها بيديها اقلام تلوين، رسم وتمحو وتعيد الكرة مرارا.. بادرتها: ماذا ترسمين؟ ودون ان ترفع ناظريها للأعلى.. قالت: لعبتي.. تركتها في بيتنا في حلب.. خرجنا مسرعين. كانت لعبتي الوحيدة وكنت أحبها كثيرا..
وتابعت: احب اللون الازرق ، ساكتب لك ذلك. وبوجه غالبته العبرات “لعبتي دفنها الزلزال” ثم أشاحت وجهها الحزين عني وقالت اسمي ايناس ١١عاما في الصف الرابع وعندي رفاق كثر .. أحب انستي واشتقت لها. وتابعت”هذه ماسة عمرها ٣ سنوات وتحب اللون الزهري”!
كان اللقاء معهم كما فراقهم موجعا.. ليس غريبا ان يحدثوا فينا عصفا في القلب ونزيفا حادا في الروح.
يا لطفولتهم الثكلى، عانوا خلالها سنوات طويلة من الحرب، حرموا خلالها حياة عنوانها المرح وعالما حالما دمرته هذه الحرب، وياتي الزلزال ليمحو ما بقي لديهم مما يشبه الأحلام. كم يصغر الكون أمام ما حصل لهم..
أطفالنا، يا وجع الارض لكم منا كل الأمنيات بفرح قادم يشفي جراح الأحزان.