23 يونيو 2023
حسان الحديثي – كاتب وناقد عراقي
كان أبو نواس يقول: سفلتُ عن طبقة من تقدمني من الشعراء، وعلوتُ عن طبقة من معي ومن يجيء بعدي، فأنا نسيجٌ وحدي. وابو نواس الذي يقول “سفلتُ” هو القائل:
ضعيفَةُ كَـرِّ الطَّرْف تحسَبُ أنّهـا
قـريبـةُ عهدٍ بالإفـاقـة من سُقْمِ
وإنِّي لآتي الأمرَ من حيث يُتَّقَى
ويعلَمُ سَهْمي حينَ أَنْزِع مَنْ أَرْمِي
وهو القائل في المدح:
يخافُه الناسُ ويَرجْونه … كأنه الجنةُ والنارُ
والقائل أيضاً في أدب المنادمة:
وقلت لساقيها أجزْها فلم أكنْ … لـيـأبى أمـيـرُ المؤمنين وأشـربـا
فجوَّزهـا عني عقاراً تـرى لهـا … إلى الشرف الأعلى شعاعاً مطنبا
إذا عَبّ فيها شاربُ القومِ خلتَه … يُقَبِّلُ في داجٍ من الْليل كوكبًا
ولكن المدهش حين تقرّب واستشفع عند الفضل ابن الربيع بهذه الابيات حينما سَجنه فارسل له:
ما مِن يَدٍ في الناسِ واحِدَةٍ … كَـيَـدٍ أَبــو العَبّـاسِ مَولاهـا
نـامَ الثقاتُ عَلى مَضاجِعِهِم … وَسَـرى إِلى نَفسي فَأَحياها
قَـد كُنتُ خِفتُكَ ثُـمَّ أَمَّنَـني … مِن أَن أَخـافَكَ خَوفُكَ اللَه
فعفا عنه، ولو كنت مكان الفضل لعفوت عن كل السجناء الذين معه وأغلقت السجن لأجل البيت الأخير.
تخيلوا مع ما تقدم ومئات المعاني المدهشة الاخرى، ثم يقول “سفلتُ” احتراماً وتبجيلاً لاساتذته وشيوخه ممن سبقه.
في زماننا هذا -مثل كل زمان- هناك ورم يصيب بعض الناس، وهو ورم كاذب يشبه الحمل الكاذب، يعني انتفاخ، مجرد انتفاخ (عالفاضي)..
صباح الخير أيها العارفون بأنفسكم.
وألف صباح الخير أيها العارفون بأشياخكم وأستاذتكم.