سنعلّمهم الشعر الجاهلي – محمد المتيّم

14 أكتوبر 2023

محمد المتيم – شاعر وكاتب مصري

في عام 2002، حيث ياسر عرفات محاصرٌ حصاره الشهير من قبل الاحتلال، إبان الانتفاضة الثانية، كتب محمود درويش قصيدته الملحمية “حالة حصار”، وهي غير “حصار لمدائح البحر”، وغير “مديح الظل العالي”، إذ تختلط القصائد الثلاث عند بعض القراء.
كتب محمود:
“سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّمَ أَعداءنا
نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ..”.
وكأنه يريد أن يمنح شرعية جمالية للوجود العربي على هذه الأرض، أراد أن يعيد اتصال الفروع بالجذور، فلم يجد أكفأ من شعرنا الجاهليّ، أداةً جمالية متجردة من الأيديولوجيا، وقريبة من الإنسان.
ضرورة رسوخ الأرضية والهوية الثقافية تحت قدميك، حتى لو جلست على طاولة المفاوضات، فلا بد أن تعرف من أنت، ولماذا أنت هنا، وما هي براهين وجودك، وما مدى حُجّيّتها، ما الشيء الذي تنفرد به عن الأمم ويجعلك الأقرب شبهاً بتلك الأرض.. إنها معلّقتك الجاهلية، بفضاءاتها التي ربما عجزت أجنحتنا المعرفية المعاصرة عن التحليق فيها.
المسألة ليست مسألة أن يقف شاعر اليوم، ويردد “أفاطم مهلاً بعض هذا التدللِ”، أو “ودّع هريرة إن الركبَ مرتحلُ”، كما قد يتصور البعض، لكن أن تعرف أسلافك على هذه الأرض، أسلافك الذين ورّثوك مقاعدهم وائتمنوك على مراقدهم، أن تعرف أنك (مدماك) في حائط، أو قالب في (مدماك)، ولست حجرًا مهملًا في البرّيّة.
ربما يرى البعض في هذا النوع من الحديث ترفًا، في ظل الجحيم المصبوب على الأهل هناك، ربما.. معذورون.
لكنني، كمحمود، أرى استقلال اللسان والروح والهوية، معركة مكملة للمعركة التي تدور رحاها هناك.. سلامًا ومحبة ورحمة لفلسطين.
قد يعجبك ايضا