18 أغسطس 2023
بيروت- إيمان إبراهيم
انطلق مسلسل “كريستال” (بطولة باميلا الكيك ومحمود نصر وستيفاني عطا الله) المعرب عن المسلسل التركي “حرب الورود” انطلاقة صاروخية، وما لبث أن ترهّل وترنّح إيقاعه.
لا جديد في القصّة، عن امرأتين تتصارعان على حبّ رجلٍ واحد، في الحرب والحب كل الأمور مباحة، فكيف إذا اجتمعا في قصّة واحدة موازين القوى فيها غير متكافئة. كانت النقطّة التي أعطت زخماً لأحداث متوقّعة سلفاً، حتى للمشاهد الذي لم يتسنّ له متابعة النسخة التركية الأصلية.
90 حلقة مدّة المسلسل، الذي بدأ منذ حلقته الـ30 يتخبّط في الروتين. أحداث بطيئة، ومشاهد مكرّرة، ولا شيء منتظر، لا عقد تشوّقك لحلٍ مرتجى، لا شيء سوى يوميات ساكني القصر الفاره، حين يجتمع تحت سقف واحد أثرياء مغمّسون بالأسى، وفقراء يحلمون أن يكونوا مثلهم، الأسى واحد، الفارق أنّه عندما يكون مقروناً بالمال تصبح وطأته أخف، أو هكذا يظنون.
يشبه المسلسل الأسطوانة المكرّرة، لا جديد فيها، لكنّك تستمر بسماعها. ثمّة سحر يشدّ، لا يهم كيف تتطوّر الأحداث، ولا من سينتصر ومن سيُهزم.
هم الممثلون، أجادوا في إقناع المشاهد أنّ ما يجري ليس مجرد قصّة تروى ثم يقفل الكتاب وتُنسى أحداثها، هم أنفسهم الرواية والقصّة. أداء ممتع، احترافية مذهلة، هم رافعة العمل محروق الأحداث سلفاً، التزم صنّاعه لغاية الآن بالنسخة التركية، لا جديد، ربما هو خوف من مغامرة كما حصل مع مسلسل “الثمن” حين أرادت كاتبته توجيه أحداثه نحو انعطافات جديدة فتاهت، وربما هو استثمار لنجاحٍ مضمون سلفاً، لمشاهد اعتاد التصفيق لأعمال معرّبة، لا جديد في حبكتها.
باميلا الكيك وحدها قادرة على النهوض بمسلسل بأمّه وأبيه، فكيف إذا اقترنت موهبتها بمواهب حقيقيّة تجعل من يوميات ساكني القصر محتملة، حتى لمن لا يهوى التلصّص على يوميات الآخرين.
تلعب دور عليا كرم بكل تناقضاته، المصممة الشهيرة التي تشعّ بريقاً، المرأة المكسورة التي غادرها حبّها ولم تغادره، تخوض حرباً تأنف عن خوضها، هي قائدة معركة وليست مجرد جندي يؤمر فينفّذ وعند الهزائم يعود مطأطىء الرأس وعند الانتصارات يُقصى جانباً. تدافع عن حبّها بكل الأساليب المشروعة وغير المشروعة، دون أن تتدخّل مباشرةً في المعارك الصغيرة، تحرّكها كأحجار الشطرنج.
هي الأخت التي تعيش ذنباً يهدّ الجبال، تسبّبت يوم كانت مجرد طفلة لا حول لها ولا قوّة في إعاقة دائمة لشقيقها، تحمّلت مسؤولية ضياع مستقبله يوم كانت مجردة من أبسط المسؤوليات، تحاول لملمة دموعه وانكساراته، تظهر أمامه حضناً دافئاً وداخلها يلفّه الصقيع.
تبرع باميلا بكل تناقضاتها، عندما تمثّل دور البريئة وهي المعجونة بالخطايا، وحين ترمي كل خطاياها لتتطهّر من ذنبٍ اقترفته بحق شقيقها أوجعها وحوّلها إلى كتلة تناقضات.
خالد شباط قصّة ثانية، يلعب دور باسل شقيق عليا، درس دوره بأدق تفاصيله، أدواته عيناه، نظراته التائهة حيناً والراجية حيناً آخر، دموعه الصامتة، حركة يديه، مشيته حين يقرر أن يكسر عزلته ويخرج من قوقعته، صوته عندما يرتجف خوفاً كما حباً وشغفاً. هو واحد من أجمل ما أجاد به “كريستال”، موهبة مدهشة عظيمة تستحق الثناء والتقدير.
ستيفاني عطا الله، القادرة على شدّك إلى عالم “في” ببراعة، هي ابنة الناطور التي تعيش في قصر الأحلام، لا تعاني عقدة نقص حتى مع من تحلم أن تصبح مثلهم، هي مثال للفتاة الطموحة، التي تؤمن بصعود السلّم درجة درجة، إلى أن تصطدم بحبٍ يبعثر أولوياتها ويبعثرها ومعها القصة. قصة حب في وجواد (محمود نصر) الأضعف في المسلسل، حيث الشد والجذب على طريقة المسلسلات المكسيكية القديمة، يوم أحبك ويوم أريدك ويوم لا أحبك ولا أريدك، وعلى جمهور القرن الـ21 مدلّل الشاشات والمنصّات أن يشاهد كل هذا الضياع ويصمد.
تبرع ستيفاني في تحوّلها من فتاة منطلقة، تعيش حلم أن تصبح يوماً “عليا كرم”، موهوبة بالفطرة، مرحة، تحوّل الهزائم إلى انتصارات دون أن تغرق في نشوة الانتصار أو تقريع الذات وإشعارها بالذنب. تشهد الحلقات المقبلة تحوّلاً جذرياً في شخصيتها، التي طحنتها التجارب وعجنتها، قوة الدور ستبرز أكثر في الحلقات المقبلة.
أما محمود نصر فهو الشخصية المثالية، الرجل الثري، الوسيم، الناجح، المشهور، تطارده الكاميرات أينما ذهب، قد يبدو صعباً الاقتناع بأنّ طبيباً بات نجماً تفرد لأخباره العاطفية المجلات صفحات، لكن كل شيء يحدث في المسلسلات المعرّبة.
يبدو الدكتور جواد مستفزاً بمثاليته، علاقته مع زوجة أخيه، يحتضنها في وقت ينبذها الجميع، يمدّ يده لمن حوله، هو حلاّل العقد والمشاكل، لدرجة أنّه لا يجد وقتاً يمارس فيه الطب، أقله هذا ما يظهر في أحداث المسلسل، علاقته بعليا شائكة، تركها ولا يزال ملتصقاً بها، أحب “في” ولم يحارب لأجلها. شخصية تبدو غير حقيقية، موهبة محمود نصر حوّلتها إلى شخصية من لحم ودم. فنان يمتلك كاريزما عالية، لغاية الآن ليس ثمّة ما يجعل من شخصية جواد دور العمر، باستثناء أن المسلسل مشاهد جماهيرياً، كما سائر الأعمال المعرّبة.
على هامش البطولات ثمّة أدوار لا تمرّ مرور الكرام، أنجو ريحان بدور “ندى” شقيقة “في” الكبرى، ممثلة معجونة بالموهبة، لا يهم حجم الدور ولا حتى فعاليته في مجرى الأحداث، وجودها بحدّ ذاته يضفي على العمل قيمة مضافة. مشاهدها تُنتظر.
وكما أنجو الممثل الكبير ناظم عيسى بدور والدها، هو الرجل الأرمل الذي ربّى أربع فتيات، لكل منهن قصصها وعقدها، أُنهك الأب. أداء عالي المستوى للفنان الكبير.
الممثلة لين غرة، السورية التي تتحدّث اللهجة اللبنانية بطلاقة، دورها بشخصية “نور” مستفز، الفتاة الوصولية الغيورة الحقودة، شخصية تتمنّى لها بئس المصير لشدّة قدرتها على إقناعك أنّها كل ما سبق ذكره.
أما رولا حمادة، فليس في دور “رحاب” مدبّرة المنزل بعد ما يشدّ، هي ليست أكثر من مجرد خيال وانعكاس لعليا كرم، ننتظر في الحلقات المقبلة ما يقنعنا بأنّ هذا الدور يليق بالممثلة القديرة.
تدور أحداث “كريستال” ببطءٍ شديد، لكن ثمّة ما يلمع في العمل، كحبة كريستال بريقها يجذب، وأحياناً يزغلل.. وهنا يمكن الحدّ الفاصل بين أن تستمر بالمشاهدة وأن تشيح برأسك.