بين السينما والدراما التلفزيونية خيط رفيع، إذ أننا نذهب إلى الأولى باختيارنا بينما تقتحمنا الثانية وتدخل بيوتنا شئنا أم أبينا، اليوم، تلاشى هذا الفرق وباتت السينما والدراما والبرامج والتيك توك وكل البرامج ووسائل التواصل الأخرى تتفجر في بيوتنا وبين أيدينا.
فيما مضى، كانت الدراما التلفزيونية التي نراها منزّهة كأستاذ القرية المحترم الذي يخجل أن يضحك بين طلابه حتى لا يقال فيه ما يقال، كانت المسلسلات تخرج من التلفزيونات على كل المنازل بالتساوي وكنا نفتح لها الباب والقلوب غير خائفين من خطابها وسيميائها وطرحها البصري والجمالي والحوارات التي تجري فيها وإن كانت بين مجرميْن خطيريْن!
اليوم؛ تتطاير من حولنا المشاهد القاسية والناتئة، الشتائم والجرائم والقتل والدماء حتى تآلفنا وتعايشنا أن يكون البطل الذي يؤانس ليالينا مهرب مخدرات أو “بلطجي” يقتل ويضرب ولا يلبس ثيابه حتى في “رمضان”!
يقول لابونييه: “الدراما روح الشارع وانعكاسه الشرطي الأول”، هل هذا يعني أننا نشبه ما نراه على الشاشات؟ هل أصبحت شوارعنا بمثل هذا السوء وأنفسنا بمثل هذا الشرّ ومخزوننا البصري بمثل هذا التشوّه؟ هل أصبحت أوطاننا كما ترى؟
في العقد الأخير، وقعنا فريسة اضطرابات هائلة غيّرت من بنيوية المجتمع دون أدنى ريب، ولكن هل سنستسلم لهذا ونقول: كان مقدّراً وجرى؟ في رمضان هذا العام، نشهد طفرة درامية عالية فنياً، لكن محتواها خطير، رسائلها التي تصلنا – بقصدٍ أو دون قصد – مرعبة للغاية، عنصرية، طائفية، بلطجية، تناول الشوارع الخلفية والعالم السفلي من المجتمع، وتعويم للمجرمين وقطاع الطرق وسفلة القوم. لا أعرف كيف سيتلقى الجيل الذي كبر على “ليالي الحلمية” و”المال والبنون” و”نهاية رجل شجاع” و”التغريبة الفلسطينية” و”دليلة والزيبق” و”أسعد الوراق” و”الزير سالم” مثل هذا!
لا يمكن لأحدٍ اليوم تناول الأمر بشكلٍ “قروسطي” ولا طوباوي أو مثالي ولا يجب تحميل الفنون أكثر مما تحتمل، إنما على الأقل علينا التفكير بمقاربة فكرية لما تطرحه الشاشات، بعفوية أم بقصدية، بنيّة حسنة أو نية سيئّة. ثمّة ما تغيّر، وثمّة ما يجب أن يُلقى له البال من الأكاديميين والباحثين والنقاد وعلماء الاجتماع.