عامر الطيّب/ شاعر عراقي
١/ الكتابةُ في حفلةٍ موتى
يشكلُ الإبداع الشعري بالنسبة لي ضرورة ملحة أكثر من كونه رؤية و لحظة تفكير و تأمل و ضمن ذلك المنطلق فأنا أكتب قصيدة النثر إذ ليس بوسعي التعبير عبر جنس أدبي آخر بالقدر ذاته من الإريحية و الصرامة فحسب .
لكن حتى قصيدة النثر تبدو لي معرضة للحظات شك و تساؤل هل لتلك القصيدة خصوصية وما هي خصوصيتها؟ وهل ما تزال الروح الشعرية العربية تتجلى عبرها أو أنها لا تعدو سوى خطاب يتم تجاوزه ببساطة مع الخطابات التي تتلاشى في الفيسبوك مثلاً ؟.
يتم الخلط بين دور العمل الأدبي و قيمته وتنشأ وفق ذلك الخلط التباسات عديدة أبرزها أن ينظر لأهمية الشعر مقارنة بدوره وقدرته على إثارة الجدل أو الرضا و الاستحسان والغضب ولئن انتفى هذا الدور بفعل متغيرات اجتماعية وثقافية عديدة فإن البعض يتحدث عن موت الشعر في الطالع و النازل وهي عبارة لا تقل بدائية و انفعالاً عن عبارات أخرى شاعت في القرن العشرين مثل موت الإله وموت الإنسان وموت القارئ و موت الناقد، ليبدو للشاعر أخيراً كما لو أنه يكتب قصيدته في حفلة موتى .
أيمكن التوقف عند هذا الحدّ أم البدء منه؟
٢/ الكتابة للتخلص من وعثاء السفر
تنطلقُ قصيدة النثر عبر مفهومها الإشكالي عن الحرية في الفكر و القول لتقدّمَ تعريفاً مغايراً للشعر، وبالرغم من مرور ما يقارب النصف قرن على بزوغها، فإن اعتبارها شعراً ما زال يثير الاستغراب لدى قراء كثر فضلاً عن الشعراء الذين يكتبون القصيدة الموزونة، والذين يعلنون أنهم يقدرون ذلك الشكل الإبداعي من باب التقارب بين الرؤى و التسامح الذي لا يخدم الإبداع قيد أنملة، ويرى مختصون و هواة أننا نقع دائما في الخلط بين منظّرين حاذقين و شعراء عاديين ولعلّ ذلك الأمر هو ما غدا مألوفاً لا سيما حين تقدم على قراءة كتاب شعري بناءً على تنظير سابق عنه لتكتشف أن ذلك التنظير قد عالج خديعته بأن يحول ذلك العمل الأدبي العادي إلى عمل لافت فحسب .
يوفّر فهم الشعر على القارئ التخبط بين قراءات النقاد و إرشادات الشعراء الكبار ذوي السيطرة الهائلة على الوجدان الشعبي ليغدو القارئ حراً عندما يقرأ وهي حرية تبدو لي أهم من حريته في أن يفكر أو يعبر أو يقترح، أن تكون حراً عند عزمك على قراءة كتاب، أن يكون لك إصرارك الخاص على قراءة كتاب بصرف النظر عما يقتل عنه فذلك هو ما يخلصك من وعثاء السفر ، حضارة العالم الحديث ترغب أن توفر لك الطرق الأقرب غالبا .
٣/ عبر تقليدي أحد الشعراء لكن ليس للأبد
يعزو عدد من الشعراء كونهم شعراء إلى فشلهم بإتقان نشاطات أخرى وهذا ما يبرز عبر مقولة ناديا تويني الشهيرة ” أكتب لأني لا أجيد استخدام المسدس ” ورغم أن ليس ثمة تقاطع بين العنف و الكتابة إذ لا تحتم الصنعة لوحدها على أصحابها أن تكون لهم أخلاق مغايرة إلا أن المقولة تشير إلى أن عدم قدرتنا على أن نكون نجارين أو أطباء أو قتلة هو ما جعلنا كتاباً .
عند العودة لشأني الشخصي فإن ما جعلني شاعراً هو فشلي بأن أكون شاعراً معروفاً، لقد حاولت منذ الصغر مأخوذاً بعاطفة فطرية أن أكون أحد الشعراء الكبار و عبر محاولات تقليده استطعت أن ألمس ذاتي شيئا فشيئا و لذا فإن قصائدي مدينة للمحاولات التي فشلتْ بها بأن تكون قصائد أحد آخر وهذا هو بالضبط ما عناه الفنان الفرنسي مارسيل دوشامب ” لا أؤمن بالفن أؤمن بالفنانين” .
ذلك لا يمنعني من أن أطالبك بألا تتأثر بأحد، ألا تعتبره قدوة، ألا تعامله على أنه قيم إبداعي و أخلاقي فالتقليد ليس التأثر، وإعجابك بما فعله أحد لا يحتم عليك أن تتصرف كما يتصرف تماماً، يعني التأثر أنك تتقمص شخصية أحد، تبدو كظله، بينما يعني التقليد أن تسرق خطواته الجسورة من أجل قطع طريق آخر.