23 يونيو 2023
جمال سامي عواد – كاتب وباحث موسيقي سوري
كيف يمكنك أن “تجي” و “لا تجي” في نفس الوقت؟ و كيف يمكن للكذب في وعدك ” أنه رح تجي”، أن يتحول من ” خطية” إلى مجرد مزحة لطيفة، أو حلماً أحتاجه لكي أعيش؟
بمجرد التأمل في صورة التدوين الموسيقي لثيمة المقدمة في هذه الأغنية، ستصلك الرسالة الفلسفية للأغنية فوراً. تخيل خطاً يصل بين رؤوس النوتات المكتوبة، و تابع حركته و سرعته، عندها تستطيع تخيل شخص يقف حائرا على أول درجة من درج بيت يرتفع عن الأرض بمقدار ثمان درجات (سلم مقام صول ماجور)، ولكنه متردد بين الصعود و العودة من حيث أتى، فينزل عن الدرجة الأولى، ولكنه يعود ليعتليها، مع دفعة من الشجاعة تجعله يصعد درجة أخرى، و لكن يتكرر سيناريو التردد مرة أخرى فيقوم بنفس الحركة الأولى.
و يبدو أن دافع الصعود أقوى في هذه اللحظة، فيرفع هذه الحيرة إلى درجة أعلى و أقرب إلى الهدف مما كانت عليه قبل لحظات. ثم …. شيئ ما يدفعه كطلقة المدفع إلى آخر درجة، و لكن الشخص الآخر في داخله، يزيح الأول عن المقود، و يهبط بالجسد إلى ما تحت منتصف الدرج، تاركاً الروح فوق، في الأعلى عند الحبيب، ماطّاً ذلك الحبل بين الروح و الجسد إلى أقصى درجات توتره، جاعلاً الجسد أكثر أقرب إلى الأرض قليلاً ، و أكثر ميلاً للهروب و التخلي عن فكرة الصعود من أساسها.
هنا بالتحديد تكمن معضلة البشر عندما يحلمون بما يخافون من تحققه. لا تترك لنا فيروز في أداء ذلك المذهب ( تعا ولاتجي و كذوب عليي) أي خيار آخر سوى الإعجاب، إذ تمزج فيروزتنا بين المرارة و الخيبة و بين الرقة التي تتلاءم مع رهافة الحلم المخبوء عن عيون الحساد و الشامتين و الفضوليين.
بالله عليك، كيف ” تجي” و “ع َعتاب البواب الإبر عم بتحيك، بتحيك تكاية، و تحيك حكاية؟” و أنت تعلم تماماً أن حياكة الحكاية هي المفضلة لدى شاغلات العتبات تلك.. هه؟
قل لي كيف ؟
ألا تعلم أن “الإبر مسنونة ، و العيون مسنونة” جاهزة بانتظارك ؟
ماذا سيحدث عند ذلك؟
” يا خوفي الحكي يجي”…
الدخول إلى هذا الكوبليه ( عَ عتاب البواب….)، يشبه إلى حد بعيد شريط الخبر العاجل الأحمر الذي يقتحم على المشاهدين صفوة مشاهدة مسلسل رومانسي على التلفاز، فاللحن هنا يدخل من نوتة ” حساس المقام” (سابعته) و في ذلك إمعاناً في تكثيف مشاعر الخوف مما تتمنى تلك الفتاة حدوثه. و هو ما يتكرر أيضاً في الكوبليه الثاني، لأن الفكرة ذاتها، حيث “الحسد عالطريق، الحسد عم يزهر، زهر بالدوارة، و زهر عند الجارة”! و هنا لم يبق لتلك الحبيبة سوى ” غزل” قصة العشق بمغزل الحلم، و “لا وين رح التجي” إذا لم ألتجئ إلى غزل الحلم؟
لذلك كله ، الأفضل أن تساعدني في غزل الحلم بان تعدني بأن ” تجي” ثم : لا تجي.
((مهداة إلى روح عاصي الرحباني في ذكرى وفاته))