8 ديسمبر 2023
“نص خبر”- متابعة
“شاعر، وكاتب، وموسيقي، وشاعر غنائي، وصبي شقي”، هكذا وُصف البريطاني بنيامين زيفانيا، الذي توفي أمس عن عمر يناهز 65 عاماً، نفسه على موقعه الخاص على الإنترنت، الموقع الذي لطالما حرص من خلاله على تدوين مختلف إصداراته في مجالات فنية متعددة.
ألّف زيفانيا 30 كتاباً شعرياً وقصصاً للكبار والمراهقين والأطفال بالإضافة إلى العديد من المسرحيات. كما مارس هوايته كموسيقي وممثل في وقت ما. ولكن في مذكراته الصادرة بعنوان “حياة بنيامين زيفانيا وأغنياته”، التي نُشرت للاحتفال بعيد ميلاده الستين في عام 2018، أدرج الكاتب أحد أعظم إنجازاته بـ”بلوغه سن الثلاثين، من دون أن يُطلق عليه الرصاص”.
من اللافت أنّ الصبي الذي ترك المدرسة في سن الثالثة عشرة وانتهى به الأمر في السجن لاتهامه بعملية سطو، أصبح كنزاً وطنياً، وشخصاً محبوباً بسبب أشعاره وأدائه، لاسيما أشعاره السياسية الحادّة والواقعية والسليطة. حتى أنّه نال وسام الإمبراطورية البريطانية في عام 2003، لكنه رفض استلامه قائلاً: “مستحيل… أنا مناهض بشدة للإمبراطورية”، موضحاً أنّ هذا التكريم المتوارث منذ الإمبريالية يذكّره بـ”الوحشية التي استُخدمت في حق أجداده”.
وقال: “يُغضبني سماع كلمة “امبراطورية”، إنّها تذكّرني بالعبودية وبآلاف السنين من الوحشية. وتذكّرني كيف تمّ اغتصاب أجدادي ومعاملتهم بوحشية”.
البعض يصفه بـ”بوب مارلي” الشعر، هو الذي اعتمد اطلالةً تشبه مغني الراب، وبرع في الموسيقى. كما أنّه نجح بأدوار عدة كممثل، أبرزها مشاركته في المسلسل الشهير “بيكي بلايندر”.
عاش زيفانيا حياةً مليئة بالتناقضات، ولطالما افتخر بكونه نباتياً وممتنعاً عن شرب الكحول، حتى أنّه كان يزرع خضرواته الخاصة.
كان الولد الأكبر بين 9 أطفال لوالد مهاجر من منطقة البحر الكاريبي، لكنه عانى من تعنيف والده ووالدته. وقد كتب عنهما في مسرحيته الإذاعية على إذاعة “بي. بي. سي”: “استمع إلى والديك”.
لاحقاً، هربت والدته معه، تاركةً وراءها 8 أطفال. وإلى الأبد حمل زيفانيا في ذهنه ملصقاً يحمل صورة أبيه مع عبارة “مطلوب”، مذكّراً نفسه على الدوام بأنّه “الوجه الذي يجب أن أتجنّبه”.
على الرغم من أنّه كان يعاني من عسر القراءة، إلّا أنّه عرف أنّه يريد أن يفعل “شيئاً ما بالكلمات” منذ سن الثامنة، حتى لو كانت الكتابة آنذاك “أمراً يخصّ الرجال البيض”، لكنه كتب الأغاني وقدّمها في الكنيسة رغم صغر سنه.
المستقبل لم يكن مفعماً بالأمل، إذ وقع بين يدي عصابة، وانتهى به الأمر في سلسلة من مراكز الاحتجاز والسجون. طوال هذا الوقت، كان يؤلف “قصائد” في رأسه. وفي السجن بدأ بتكوين آرائه السياسية.
ما إن خرج من السجن عند بلوغه الثامنة عشرة، حتى انخرط في موسيقى الراب. وقرّر الهرب من الضواحي إلى العاصمة لندن، لأنّه أراد البقاء على قيد الحياة والابتعاد عن حياة العصابات.
عام 1979، وصل إلى لندن، أخبر والدته أنّها في المرّة المقبلة التي تراه فيها، سيكون على شاشة التلفزيون. قالت ممازحة: “نعم، ستكون ضمن برنامج Police 5” في إشارة إلى برنامج إعادة تمثيل الجريمة.
في لندن انخرط في ما سمّاه “عصابة من الشعراء والرسامين”. كتابه الأول، “إيقاع القلم”، نُشر عام 1980 وكان لا يتجاوز الـ 22 ربيعاً. وإذ إنّه لم يكن يستطيع القراءة أو الكتابة بشكل صحيح، فقد سجّله صوتياً ثم أعطاه لشخص آخر ليطبعه. ومع تعرّضه للتنمّر، قرّر أن يتعلّم الكتابة من جديد ونجح.
مع وصول مارغريت تاتشر إلى السلطة وصعود الجبهة الوطنية، شعر زيفانيا الشاب بالغضب والتمرّد.
أرسل كتابه الأول وبعض التسجيلات المبكرة إلى نيلسون مانديلا في جزيرة روبن. بعد إطلاق سراح مانديلا، وفي أول زيارة له إلى لندن، اتصل بالشاعر ليرتب لقاءً معه قبل موعده مع رئيسة الوزراء.
خلال مسيرته الطويلة في الحملات الانتخابية، تحدث زيفانيا عن مواضيع عدة بدءاً من الفصل العنصري إلى غزو العراق في عام 2003. بالنسبة له، كان كل شيء سياسياً. ولطالما أكّد أنّه سيكون في الستين من عمره وسيبقى غاضباً من السياسيين والإمبريالية.