بخيت رستموف والسلطان بيبرس – أشرف أبو اليزيد

تسبقُ اسمَ صديقي الكازاخي بخيت رستموف ألقابٌ كثيرة، تصفه بالعالم الاقتصادي، والكاتب، والشاعر، والصحافي، ورجل الإعلام الدولي، والمترجم، والموسيقي، وهذه الأخيرة – النَّوعية – رأيتُها بعينيّ، حين التقيتُه لأول مرة في استنبول (2021) عازفا على الدومبرا التقليدية، التي خصصت لها دولته يومًا وطنيا.

بعد سبعة عقود من ميلاده، سيدرك العارفون بسيرته أن الرجل الذي ولد في عصر الاتحاد السوفياتي، عمل لسنوات عديدة في وزارة المالية وسلطات الضرائب بالدولة، ليترقى من مجرد عامل (1969) إلى مستشار لوزير النقل والاتصالات، وموظف مسؤول بإدارة رئيس جمهورية كازاخستان (2001-2008) المستقلة قبل 30 سنة.

بعد الاستقلال، انتخب بخيت رئيسًا لمجلس الحكم الذاتي للمقاطعات الصغيرة في مدينة شيمكنت، ليرى السخط الدائم في حياة أهله؛ فالكهرباء مقطوعة، والمتاجر نصف فارغة، والمصانع مغلقة، والأساتذة في المدارس والجامعات مضربون لعدم دفع الأجور لأشهر، وطابور العاطلين يطول، حتى أنه طاله هو!

مرت بصديقي أيام كاد أن يستسلم فيها لليأس، لكنه تجاوزها بثقة وكرامة، فلم يفقد الأمل أبدًا. وعندما كان عاطلاً عن العمل الحكومي، كان يعيل أسرته كسائق تاكسي وحمّال بضائع. هاجمه المشاغبون مرة لسرقة سيارته، وتعرض للطعن في صدره، لكن قلبه نجا، بل وتمكن من اعتقال أحد المجرمين …

بدأ رستموف عمله الإبداعي في سن 18 أثناء خدمته في الجيش، ليصبح رئيس تحرير صحيفة عسكرية ينشر فيها قصائده وقصصه، وفي سنوات دراسته، عمل مراسلًا مستقلاً لصحيفة الشباب الجمهورية، وهو ما جذب إليه أنظار أيقونات ثقافية كازاخية وإقليمية ودولية، أحبت شعره وموسيقاه.  الشهادات عن مسيرته في العمل، ومساره في الأدب، تتسع لها المجلدات،  وهو المؤلف والمترجم لعشرات الكتب التي صدرت باللغات الكازاخستانية والأوزبكية والروسية.

يفخر بخيت بأنه الوحيد من كازاخستان وآسيا الوسطى الحاصل على وسام سيرجي يسينين، وميدالية ليو تولستوي، وميدالية أوليمبوس الأدبية لمساهمته في الأدب الروسي، وميدالية ميغيل دي سرفانتس (بيرو)، ووسام جنكيز أيتماتوف (قيرغيزستان)، كما منح ميدالية اتحاد الكتاب الفيتناميين (2018) لترجمة كتابين – “فيتنام في العالم الجديد” لنغوين فو ترونج و “يوميات الطبيب” لدانغ توي شام، وميدالية لمساهمته في العلاقات الثقافية بين كازاخستان وأوكرانيا.

مؤخراً، تسلم بخيت في موسكو تمثالا صغيرا فريدا من خزف كوزنتسوف، لحصوله على الجائزة الذهبية الوطنية من  “القلم الذهبي لروسيا” اختارته لها لجنة تحكيم دولية مكونة من 70 خبيرا نظرت في أعمال أكثر من 30 ألف مرشح من 72 دولة.

حين زارني بخيت رستموف في القاهرة قبل شهور، حدثني عن أول مسابقة أدبية كازاخستانية دولية أقامها قبل عامين باسم “آسيا الأدبية”، شارك بها 200 متسابق من 20 دولة للاحتفال بالذكرى الثلاثين لاستقلال كازاخستان وكُرّم الفائزون في العاصمة أستانا، وقال إنه ينوي تنظيم الدورة الثانية عام 2023، وكانت المفاجأة أنه اختار شخصية السلطان الظاهر بيبرس موضوعا لهذه المسابقة،  سواء في الشعر أو السرد.

على الرغم من أن الظاهر بيبرس رابع سلاطين الدولة المملوكية الأولى،  فإنه يعد المؤسس الحقيقي لها، وذلك لما قدمه خلال فترة سلطنته التي بلغت ما يقرب من عشرين عاماً (ولد عام ٦٢٠ هـ  – وقيل ٦٢٥ هـ – في سهوب القبچاق الأوراسية، وتوفي عام ٦٧٦ هـ بدمشق).

غُصتُ في المؤلفات التي تناولت سيرة الظاهر بيبرس، وقرأت دراسة  بعنوان (الملك الظاهر بيبرس في شعر معاصريه) للدكتور أحمد فوزي الهيب، يرجّح فيها أن الشعر والشعراء قد أنصفوا بيبرس، بيد أن هذا الشعر لم يصل إلينا كاملاً لأسباب عدة، منها ضياع مخطوطاته ووجود مخطوطات أخرى كثيرة تنتظر من ينفض عنها الغبار.

 

قد يعجبك ايضا