3 يناير 2024
لؤي محمد ديب- مؤلف سوري
أعلنت فنّانة مشهورة لَن نَذكُر اسمها رُبّما لأن الشهرة وحدها، غير كافية اليوم ليستحق كلّ مَن هَبّ ودب أن نذكُرَ اسمه، أنها لن تُشارِك في العمل الذي لَن نذكر اسمه أيضاً لأن الأعمال التي تستحق الذِّكر هي التي لا يجِب أن نَسمَع بها، بل في تلك الأعمال التي تتركها لتكون شفيعاً لك في آخرتك.
لطالما شعرتُ بالمسؤولية تجاه الدراما السورية حالي حال معظم السوريين الشغوفين بالفن، لكن أين هي هذه الصّنعة اليوم؟
كثيرة هي الأعمال والأسماء والنجوم والمحاولات، لكن أي الطّحن من هذه الجعجعة؟ لَن نستبِق الأحداث في الكلام عمّا هو آت، لكنّا سنُبحر في رصد بعض المحطات السابقة.
تغرق الدراما السورية يوماً بعد يوم في مستنقع من الركود، فهي تقف حيث وقف الزمان في سوريا قاطبة ولا تحاكي في معظم أعمالها إلّا مجتمع النخبة وباتت الرغبة في إنشاء حالة قريبة من الشارع متراجعة لدى صُنّاع الدراما، في حين نلاحظ حالة الهروب إلى التاريخ الحديث كواحد من الحلول “البيَّاعة” في لغة الشارع الفنّي بالاعتماد على مواهب وأسماء فرديّة رنّانة محبّبة لدى المُشاهد السوري بشكل خاص والعربي بشكل عام.
مع أن عملاً مثل زمن العار في الحالة الاجتماعية القريبة من جمهور السوريين مازالت تدغدغ العواطف، ومازالت تُستَذكَر في شخوصها وتفاصيلهم فمن ينسى تيم حسن وسلافة معمار وبسام كوسا ومنى واصف في تلك المرحلة التي كانت تتحدّث عن عشوائيات العشوائية في دمشق، حيث لا قيمة للطموح والوقت في ظل البحث عن الرغبة ولقمة العيش، وأن حدثاً بسيطة في ظل تلك الفوضى قد ينهي كل شيء.
الصانع السوري لا يمتلك الشجاعة الكافية
وحكايةً مثل حكاية ملك التكسي أبو جانتي جعلت من اسم جانتي مألوفاً ومطروقاً في الشارع السوري، وأدخلتنا في تفاصيل جعلت من مهنة سائق سيارة الأجرة مهنة محبّبة أثارت فضول العديد من الشباب لتجربتها وخوض غمارها، وعلى الرغم من حاجة التجربة السورية لحكاية كوميدية خفيفة مثل التي تعاون عليها رازي وردة وسامر المصري في ذلك الوقت إلا أن الصّانع السوري لا يمتلك الشجاعة الكافية ربما للولوج في مثل هذه التجربة حاليّاً ولا أسباب واضحة لغياب التجربة الكوميدية، في ظل الانجراف الكبير للأعمال الاجتماعية الفضفاضة على الشارع السوري، والتي تحمل كليشيهات مثل الصراع بين الخير والشر، والعشق الممنوع والخيانة، وفي أحسن الأحوال تحتوي هذه الحكايات على بطل أسطوري يحمل على أكتافه عبء الظلم الذي يحتويه هذا الكوكب.
مشكلة الدراما في سوريا أنها لم تتطوّر من حيث صناعة الحبكة والإيقاع السريع الذي يتطلّبه النَّص المُعاصر فمُتلقِّي حكاية سرديّة تتحمّل استهلالاً طويلاً كالَّذي كانت تحمله حلقات الفصول الأربعة مثلاً، لم يعُد موجوداً اليوم، مُتلقِّي الحكاية اليوم هو ذاك الذي اعتاد على المسلسلات الإسبانية والبرازيلية والأميركية، ذات الأحداث الكثيفة والحبكات الذكيّة، أو على أقل تقدير هو الذي يبحَث عن التسلية المحضة، إن كانت بالاستعراضات التي تأتيه على شكل أعمال معرّبة أو بالكوميديا التي تجعله ينتظِر الدعابة في كل مشهد، وهذا ما لا يُجيد رأس المال قراءته في صفحات العَمَل الفنِّي الذي يدفع فيه المال ليشتريه ويُنتِجه كعملٍ سوريٍ أصلي.