26 إبريل 2023
نص خبر- خاص
رافقت صناعة مسلسل «ابتسم أيها الجنرال» (كتابة سامر رضوان وإخراج عروة محمد) موجةٌ من الجدل والإشكالية بطريقة غير مسبوقة. لكن النتيجة لم تكن على موازاة مع تلك الإشكالية. إذ وصل إلينا عمل سطحي بالبناء الدرامي وساذج في المقاربة السياسية وبعيداً عن الموضوعية. فاستحق لقب الأسوأ لهذا الموسم بدون منازع.
المفارقة أن العمل لم يصل إلى مخرجه فعلياً، إلا بسبب انعدام الخيارات أمام صنّاع المسلسل الذي يقدّم لوناً سياسياً واحداً، يمكن القول بأنّه متطرف في معظمه، ولم يكن أمامه في بناء فريقه سوى الجانب المعارض للدولة السورية، وهي النقطة التي تُعتبر مقتل المشروع كونه يأخذ نفسه نحو اصطفاف سياسي وتحيّز مسبق، فيسقط واحدة من وظائف الدراما الجوهرية في المقاربة الحيادية، وينسف موضوعيتها في حال أرادت البناء على أحداث تاريخية واقعية ولو من باب التخيّل وتقديم حكاية مفترضة.
في كلّ الأحوال، ينطلق المسلسل من الفقه السياسي الذي قدّمه مكيافيللي في كتابه الشهير «الأمير» ويفتح ستارة كل حلقة بقاعدة نقرأها كجملة مكتوبة، تُعتبر واحدة من مواصفات الحاكم الشمولي والديكتاتوريات الحاكمة بأمر القبضة الحديدية، التي يجب أن تتّكئ على ما تسيطر عليه أوّلاً، فيما تبرر غاياتها كلّ وسائلها مهما بلغت من عنف وقسوة. يفترض في حدثه الرئيسي خروج ضابط سابق كبير شارف على الموت بسبب مرض خطير، ليفجّر مفاجأة بكشفه عن سلسلة من أسماء النساء الوازنات اللواتي أقام معهن علاقات حميمية وادّعائه زوراً أن أخت الرئيس بينهن ليخطف الانتباه الكافي، فيما يتوعد بفيض من الفضائح اللاحقة.
أمر تتبنّاه محطة في بلد مجاور، فتدفع الثمن بفبركة فضائح للمذيعة التي ذاعت الخبر، ثم اغتيال صاحب القناة فيما تتدحرج الأمور في البلد الافتراضيّ الذي سُمّي مجازاً «دولة الفرات» نحو صراع خطير على السلطة بين الرئيس فرات وشقيقه عاصي، ليكشف هذا الصراع عن تفكيرهما بأن البلد الذي ورثا الحكم فيه عن أبيهما بعد تصفية قادة عسكريين وخطب ولاء البقية، ليس سوى تركة يتنازعان عليها من دون أدنى تفكير في المصلحة العامة أو بالشعب.
ويفضي النزاع إلى انتصار فرات بعد عقد صفقة مع اسرائيل فيما يترك البلد مشرعة أمام أخيه الذي يسلب كل خزائن الدولة ويمضي.بعيداً عن مطب الاصطفاف السياسي، والتطرف في الفكر، يقع العمل في مأزق الأحداث البطيئة، والرتابة في التصعيد، بينما يمضي المشاهد أوقاتاً طويلة وهو أمام بحث عن عاصي ورغبته في عدم مقابلة أخيه من دون تشويق مدروس، أو خلق حالة جذّابة بالحد الكافي، بينما يقف المخرج متفرجاً على الأداء النمطي الذي يغرق فيه معظم ممثليه، وعلى رأسهم مكسيم خليل الذي يكتفي بالاعتماد على الشكل الخارجي، والعبوس الدائم!
الحال ذاتها عند مازن الناطور الذي يقدّم الأداء نفسه لرجل الأعمال وواجهة السلطة المالية بدون أدنى جهد أو بحث أو حتى تبنٍّ كافٍ، ويكرر عبد الحكيم قطيفان الحالة المقترحة ذاتها التي قدّمها في كثير من الأعمال منها «الولادة من الخاصرة» للمؤلف ذاته. بينما تتجه ريم علي نحو التقليد السطحي، بدون بناء حقيقي للشخصية وتاريخها ومنطق تصعيدها، بخاصة عند انتقالها من ربّة بيت مسؤولة عن الأولاد، إلى شريكة محتملة في الحكم. الشخصية التي تحمل نقلات نوعية على مستوى القصة، تبقى حبيسة نمط رتيب بلا أي جهد أدائي يوازي الورق المكتوب.
كذلك الحال مع غطفان غنّوم الذي يقدم أداء باهتاً يتّكل فيه على الحالة الخارجية فقط، من دون غوص في الحالة النفسية للشخصية وصوغ مفردات أدائية توازي عنفها الداخلي.
القصة بملامستها البرانيّة وخطابها السياسي الساذج، ومحاولتها البائسة اختراق كواليس القصور، ببناء على مزج من خيال وأحداث حقيقية تقدّم من وجهة نظر يوازيها منطق بصري تائه، وصورة معتمة بدون مبررات، ومواقع تصوير تزيد من احتمالية الحالة المفترضة وتدعم فكرة المواراة التي قرر العمل الاختفاء وراءها. من كان يعوّل على المسلسل رغم تطرفه السياسي، ربما كانت آماله تتجه إلى أن يعوض البناء الدرامي المحكم، والتشويق الذي يحبس الأنفاس، وهما ميزتا نصوص سامر رضوان، عن أي اصطفاف سياسي، وعن الضعف الإخراجي المتوقّع والنمطية الأدائية عند ممثلين لم يسبق لهم أن حقّقوا فارقة في مطرح معيّن، رغم التاريخ الطويل من الشغل العادي!