9 يناير 2024
أنور اليزيدي – شاعر وكاتب تونسي
كان البشر يحملون معهم بعض الأرانب في الغواصة قبل صنع الة تقيس كمية الأوكسجين. فالأرانب تختنق قبل الانسان بساعة، ولهذا السبب اختار قسطنطين جيورجيو لروايته عنوان “الساعة الخامسة والعشرون”.
إذا اختنق الشعراء فعلى البشر أن يدركوا أنه لم يتبقّ لهم سوى ساعة!
أيها الشاعر، ما مشكلتك؟! ها أنت ذا تكتب ما تريد. تكتب ثم تضحك، وهذه نعمة لا يعرفها أحد ليحسدك عليها. رغم ذلك أنت مثل الأرنب تصيبك العين بيسر. ربما كان كل الشعراء أرانب بما فيهم عروة ابن الورد. كان الماغوط أرنبا بلا جحر. والسياب جحره الكلمة. وديع سعادة أرنب لا يحب السرعة، فالحياة (وهذه وجهة نظر الأرانب) لا تمر بسرعة كما يعتقد البشر بل الموت هو من يجيء مسرعا. السهم، الرصاصة، السيارة، الريح، … كلها سريعة، كلها قاتلة، وكذلك الضوء.
ثمة شعراء لن أذكرهم لأنني أتحدث عن الأرانب البرية، تلك التي تتقزز منا، نحن البشر، فنظنها تهرب خوفا. وثمة شعراء لن أسميهم، فهم لا يحبون الخروج من أجسادهم…
الأرانب، أيها الشاعر، لا تكفّ عن الضحك. هي تعلم أنها تختنق قبلنا بساعة، ولا علاقة لهذا بالشعر. انظر إلى بريق عيونها، دمع حبيس، دمع قديم، من دمع خلقت الأرانب. مظفر لم يكن يكتب، مظفر حفر في الصمت جحورا تختبئ فيها الأرانب الهاربة إلى ضوء الصيادين. ألم تر ولو مرة سعدي يوسف وهو ينط تاركا خلفه أثرا للسلوقي حتى يتبعه إلى اللاشيء ثم يضحك في كل شيء. هل كان درويش أرنبا؟ كل ما في الأمر أن له قدرة على التوقف في ذروة سرعته. ولآدم فتحي عادة شم الكلمات قبل قولها. لطالما ضحكتُ من فكرة الشعراء الأرانب، غير أن بسام حجار جعل الفكرة دمعة.
أيها الشاعر، لا مشاكل لديك، لا أحد يهدد وجودك، لا أحد يحاول تخويفك، لا شيء يعمل ضدك، لا أحد مهتم لأمرك أصلا. حقا لا مشاكل لديك، أنت أرنب، أرنب فحسب، يقيسون بك كمية الأوكسجين المتبقية.