2 أوغسطس 2023
يارا حسين_ فانيتي فير
“الآن جاء دورك لمواجهة عواقب إنجازك”
هذه الجملة قالها عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين لزميله روبرت أوبنهايمر في واحد من المشاهد الختامية لفيلم “أوبنهايمر” الذي يحكي كيف ترأس الأخير مشروع الحكومة الأمريكية الذي أطلق عليه اسم “مشروع مانهاتن”.
في هذا الفيلم، يظهر أينشتاين في المرحلة الأخيرة من حياته عندما كان يعمل هو وأوبنهايمر بمعهد برينستون للدراسات المتقدمة، حيث شغل الأخير منصب مدير المعهد بين عامي 1947 و1966.
حياتان متوازيتان
عندما تخرج الشاب روبرت أوبنهايمر وتخصص في الفيزياء النظرية في عشرينيات القرن الماضي، كان أينشتاين قد فاز بالفعل بجائزة نوبل للفيزياء، كما كان شخصية مهمة في وسط العلم والعلماء، بفضل نظرية النسبية العامة التي صاغها عام 1915، وغيرها من الأعمال التي أثرت على عالم الفيزياء الأمريكي.
وسط الاضطهاد المتزايد لليهود في ألمانيا، غادر أينشتاين أوروبا واستقر في برينستون بولاية نيو جيرسي عام 1932، حيث واصل أبحاثه.
بعد ذلك بعدة سنوات، في أغسطس عام 1939، وقع أينشتاين على خطاب موجه إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت، نبه فيه البيت الأبيض إلى أن ألمانيا قد تطور قنبلة ذرية نتيجة للتقدم العلمي الذي أحرزته تلك الدولة الأوروبية في مجال الانشطار النووي لليورانيوم.
ويعتقد أن ذلك أدى إلى البدء في مشروع مانهاتن، والذي عينت الحكومة الأمريكية أوبنهايمر رئيسا له عام 1942، وكان حينها واحدا من أبرز العلماء في ذلك المجال، ولم يتم إشراك أينشتاين، الذي كان يبلغ من العمر 64 عاما آنذاك، في المشروع بسبب أصوله الألمانية وأفكاره اليسارية. لكن المفاهيم المختلفة لنظريات الفيزياء بينه وبين أوبنهايمر كان لها أثر هي الآخرى على ذلك القرار.
حاول نولان أن يصور طبيعة العلاقة بين الاثنين في فيلمه. يقول المخرج في حوار مع صحيفة ذا نيويورك تايمز: “رأيت العلاقة بينهما إلى حد كبير كعلاقة الأستاذ الذي حل محله شخص أصغر سناً وتولى عمله”.
ابتكار القنبلة النووية
مع بدء مشروع مانهاتن، يصور الفيلم أوبنهايمر كعالم تساوره شكوك بشأن مدى وحجم الأثر الذي قد يحدثه تفجير قنبلة ذرية كتلك التي كان يعكف على تطويرها.
عمل أوبنهايمر بين عامي 1943 و1945 في مختبر لوس ألاموس في ولاية نيو مكسيكو، على بعد آلاف الكيلومترات من برينستون.
لكن في عام 1965، علق أوبنهايمر نفسه على مزاعم أن أينشتاين أسهم بطريقة ما في ابتكار سلاح الدمار الشامل ذاك.
ويرى أوبنهايمر أن الخطاب الذي أُرسل في عام 1939 إلى الرئيس روزفلت للفت انتباهه إلى قدرات ألمانيا على تطوير قنبلة ذرية لم يكن له تأثير يذكر على الحكومة الأمريكية.
بعد الاختبار الناجح الذي أجري على أول قنبلة ذرية، واجه أوبنهايمر مشكلة أخلاقية تتمثل في استخدام أعماله في صنع سلاح دمار شامل، وليس فقط على سبيل التهديد، كما تبين من خلال تفجيري هيروشيما وناغازاكي عام 1945.
العديد من العلماء، ومن بينهم أينشتاين وسيلارد وغيرهما أدانوا إلقاء قنابل ذرية على مدن يابانية، إذ إنهم اعتبروا أن البلاد كانت بالفعل قد هُزمت جزئيا.
يحاول أوبنهايمر في فيلم نولان إقناع حكومة واشنطن بالحاجة إلى الحد من استخدام التقنية التي طورها. لكن السياسيين ينقلبون عليه ويثيرون علامات استفهام حول علاقته السابقة بالشيوعيين، ويعتبرون أنه يشكل خطورة على الأمن القومي، وهو ما يضطره إلى الإدلاء بشهادته أمام لجنة حكومية.
كان العالم الحاصل على جائزة نوبل يرى أن أوبنهايمر لا ينبغي أن يتوقع الكثير من واشنطن. وقد أخبر سكرتيرته، مشيراً إلى أوبنهايمر بإصبعه بعد تلك المحادثة: “إنه أحمق”.
رغم خلافاتهما، كان كلاهما يكن مشاعر الإعجاب والاحترام للآخر، كل على طريقته.
في المقابل، عندما تحدث أوبنهايمر بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة أينشتاين ومرور خمسين عاماً على صياغته لنظرية النسبية العامة، فإنه احتفى بإسهامات ذلك العبقري الألماني الأصل بطريقة غير مألوفة.
أعمال أينشتاين الأولى رائعة الجمال، ولكنها مليئة بالأخطاء
هكذا قال أوبنهايمر في باريس، شارحاً أن عملية تجميع أعمال أينشتاين التي شارك فيها استغرقت 10 سنوات من التنقيح.