أكتسبت من محفوظ الذهاب إلى المتون مباشرة .. أحمد الشهاوي

31 أغسطس 2023
نص خبر – مكتب القاهرة


* أحمد الشهاوي يكتب :

ماذا أفدتُ من نجيب محفوظ ؟
سؤالٌ لم أطرحه على نفسي من ذي قبل ، وإن كنتُ لاشعوريًّا أخذتُ منه بعض أساليبه في التعامل مع الكتابة والقراءة والنقد والصحافة والوجود بحكم اقترابي منه لسنوات داخل الأهرام وخارجها .

كلٌّ له فلسفته في الحياة ، ونظراته إلى الكتابة ، وهناك ما يمكن التماس معه أو اكتسابه ، وهناك ما لا يتوافق مع مزاجي الشخصي ، فمحفوظ صارمٌ قاطعٌ منضبط ٌ ، يصل في بعض المواقف إلى الحدَّة والصراخ – وهو في الأصل ليس كذلك – لكنه فعلها كثيرًا ، وأنا فوضويٌّ منظم ، أتبع قلبي وشطحي .

ومن ضمن ما اكتسبته من نجيب محفوظ وهو كثيرٌ ، الجملة المُوجزة المُركَّزة الكثيفة المُركَّبة المتخلصة من الشرح والتفسير والاستطراد ، والعمل على دلالة إيقاع الكلام ، وقد أفاده في ذلك قراءته العميقة للفلسفة بحكم دراسته الجامعية ، والشِّعر الفارسي الذي قضى معه سنواتٍ من عمره ، وقد جمعني به الاهتمام بتراث الأدب الفارسي شعرًا وتصوفًا ، وقد تجلَّى ذلك في عمله الفريد ” أصداء السيرة الذاتية ” ، التي أعتبرها عملا تجريبيًّا جديدًا في الأدب الإنساني ، وأظن أن نجيب محفوظ (11 من ديسمبر 1911 – 30 من أغسطس 2006ميلادية ) كان سينقصه الكثير لو لم يكتب هذا النص الفاتن ، والعابر للجنس الأدبي ، إذْ يجمع العمل بين الشِّعر والسرد والحكمة ، في لغةٍ تحمل وتوحي بدلالات كثيرة .

كما اكتسبتُ منه الذهاب إلى المتون مباشرة ، وقد أخذ عنه ذلك صديقي الكاتب الروائي جمال الغيطاني – وهو الوحيد الذي الذي يمكن أن نقول عنه إنه المنضبط الأكبر بعد محفوظ في الكتابة والقراءة – لكنه اختلف عنه في أشياء كثيرة ، كان السفر إلى العالم أبرزها ، بينما محفوظ كان عزوفًا عن ركوب الجو والبر والبحر ، وكنتُ ومازلت من مرتادي الطريق نحو معرفة الدنيا الواسعة ، ولا شك أن عدم السَّفر عند نجيب محفوظ قد حرم كتابته الكثير من الجماليات ، حيث أومن أن الكاتب هو ابن المسافة ، والحركة ، وليس ابنًا للإقامة والسُّكون .

وفي زيارةٍ لي إلى بيت نجيب محفوظ – وهو عادة لا يلتقي إلا المقربون في بيته ( وأخذ عنه الغيطاني هذه العادة أو التقليد الاجتماعي ) ، لكنه كان يسمح لي بزيارته لأسبابٍ كثيرةٍ – فوجئتُ أنه يحتفظ بالكتب الكبرى في الثقافات والحضارات فقط ، وتخلصه الدائم مما لا يُمْتِع أو يفيد ، وقد تعلمتُ خلال تجربتي في الحياة ، أن لا أقتني إلا الكتب التي أريدها وأحتاجها وسترفد روحي وعقلي ، وأن لا أكدِّس البيت بكتبٍ هامشيةٍ أو شروحيةٍ لا لزومَ لها ، ولايمكن أن تصمد أمام مصفاة الزمن ، فبدأتُ في توزيعها وإخراجها من البيت ، حتى تطور الأمر معي ، ولم أعد أحمل معي كتبًا يرفضها عقلي ، ويمجُّها ذوقي .

وربما من أكثر ما أفدتُ من نجيب محفوظ وأدونيس معًا في أمر سلوك الكاتب ألا أردَّ على شاتمٍ أو سبَّاب ، وهم كثرٌ في حياتنا الثقافية العربية ، وهؤلاء اعتادوا الشتيمة ، بل يقتاتون عليها ، ويسمنون ، وفي نهاية التجربة لا يقدمون منجزًا ، ورأيتُ محفوظ لا يأبه بنقض وليس نقد أحدهم له ، وقد عانى كثيرًا خصوصًا قبل نيله جائزة نوبل في الآداب أكتوبر سنة 1988 ميلادية من المشتمة التي نصبها له ضِعاف النفوس والأقلام ؛ لأن الانتباه للشاتم هو مضيعةُ للوقت ، وهدرٌ للموهبة ، ومنح الكارهين شرف الرد عليهم ، وهم لا يستحقون بعضًا من حبر الدواة .

* شاعر وروائي مصري

قد يعجبك ايضا