أحمد الصويري: لست من أنصار الأقاليم.. فالشعر لا يحمل جواز سفر

24 يونيو 2023

حاوره: هاني نديم

المشهد السوري زاخرٌ بالشعراء الرائعين، وكأن هذا العقد الدموي قد أسس لحركة جمالية مضادة تواجهه بالحلم والشعر والأماني، وفي هذا المشهد تلمع تجربة أحمد الصويري كشاعر يقدم نصاً مختلفاً، أنيساً ومؤنساً بلغة لا تستعرض ولا تدعي. 

أحمد الصويري شاعر وصحافي سوري يعيش في السويد ويكتب بشكل يومي، صدر له أخيراً ديوان”ستكون آخر ما كتبت”، سألته:

  • مشتبك مع الصحافة الثقافية العربية، كيف تلخص لي المشهد العربي؟ بم تصفه وما هي التحديات التي تواجهه، عيوبه، حسناته وغير هذا؟

– لا شكّ في أنّ الصحافة الثقافية تمنح الكثير (وما تأخذه ليس بقليل أيضاً)، لكنّها سيّدةٌ أنيقة حتى حين ترتدي ثياباً ليست على مقاسها، ولعلّك اخترت التعبير الدقيق عن العلاقة بيني وبين هذا الكائن المدعوّ (صحافة ثقافيّة)، فهي بحقّ ليست إلا اشتباكات مستمرة، لكنّها أسفرت عن الكثير من المحبّة والصداقات الجميلة، ناهيك عن أنّها أشبه بمختبر كبير يضع أمام عينيك كلّ التفاصيل عاريةً قبل أن نسترها بالمانشيتات التي تفوّقت على أفضل عمليّات التجميل (وأنت خير من يعلم ذلك).

في الحديث عن المشهد العربيّ، أرى إنّ تلخيصه غير ممكن، فهو أشبه بسيناريو مترابط الأطراف بحيث لا تستطيع حذف شيء منه رغم علّة التكرار الكثير فيه، لكنّه مشهد مرتبك شأنه شأن من يعيشون فيه وله وعليه، تحدّياته هي عيوبه، وعيوبه هي ذاتها حسناته، إلّا إنّني لست من المتشائمين الذين يقولون لا يوجد مشهد عربيّ، بل المشهد العربيّ موجود وحاضر ومتجدّد بشكل لافت، كلّ الزبد الذي نراه على السطح لا يحجب الجمال المتدفّق بقوّة ودهشة كبيرتين، ونرى الكثير من التجارب التي تبدو كبيرة وحقيقية رغم صغر سنّ أصحابها (ما لم تفسدها المبالغة في الإطراءات الدارجة).

  • العمود والتفعيلة خيارك الشكلي. هذا انتصار لأي شيء؟

– لست ممن ينادون بالانتصار للأشكال، ربما كانت هذه الفكرة جزءاً من (موضة) فترة المراهقة، لكن بعد القليل من النضوج يصبح سهلاً أن تنجذب الروح للجمال وحده، وللجمال أشكال لا تنتهي، فكرة الانتصار لشيء ما توحي بوجود طرف ضعيف يحتاج إلى من ينتصر له، لكن الشعر الحقيقي ينتصر لنفسه ويقول “أنا بخير”.

أعتقد أن قصيدة النثر هي الشكل الذي يحتاج إلى ثقافة وفلسفة وأدوات أكثر من تلك التي تحتاجها الأشكال الشعرية الأخرى، ولهذا السبب أخشاها أكثر من غيرها فأكتبها بحذر وتوجّس.

عن نفسي لا أضع خطة مسبقة ولا أختار الشكل مسبقاً إنّما النصّ هو من يختار شكله وأكون حينها مسؤولاً عن تلوينه بصورة لائقة. حدثني عن الشكل وعلاقتك به قد يرجع عدم انسلاخي عن العمود الشعري إلى أنّي بطبعي أميل للموسيقا والأغاني الكلاسيكية، لكني أحب أن يتم توزيع هذه الموسيقا بشكل عصريّ (وهذا بالضبط ما أشتغل عليه في العمود الشعريّ)، قصيدة العمود تشبه امرأة ناضجة لا تتخيّل قهوتك الصباحية دونها، وقصيدة التفعيلة ضرّتها التي تقول لك تعال كي نراهق من جديد قبل أن تشيخ مع امرأتك القديمة، أمّا قصيدة النثر فهي الصبيّة التي قد تأخذك من كلتيهما.

 قصيدة النثر هي الشكل الذي يحتاج إلى ثقافة وفلسفة وأدوات أكثر من الأشكال الشعرية الأخرى، ولهذا السبب أخشاها أكثر من غيرها

  • الشعر السوري قبل 2010 وبعده، ما الذي تغير وتخلخل وانهد وتعمّر؟ ماذا عن نصك بين الأمس واليوم؟

– لستُ من أنصار إطلاق الجنسيات على الشعر، فهو لا يحمل جواز سفر إنّما قادر على أن يكون جواز سفرنا إلى بلاد ومساحات كثيرة، لكنّي هنا سأكون متحيزاً بعض الشيء وأقول إن الشعر السوريّ هو الشعر السوريّ، يولد ويلد ويكبر ويتنوع تنوّع لهجاتنا وأزهارنا وثمارنا وبيئاتنا، ويظلّ – من قبل ومن بعد – سوريّاً وإن تغرّب كثيراً، وهذا هو الفارق الوحيد الذي يميّزه ما بعد 2010، اتّسعت غربته فامتدّ على نطاق أوسع كما يليق به، لكنّه ظلّ يقف إلى جانب أفراد أسرته الكبرى من الشعر العراقيّ والمصريّ والخليجيّ والمغاربيّ.

لا أرى هذه الغربة سلبية على الإطلاق بل كان لها أثر إيجابي على الكثير من التجارب (ممّن أرادوا تطوير تجاربهم)، فالانفتاح على ثقافات جديدة وأساليب جديدة لقراءة الحياة ومكوّناتها منح هذه التجارب دهشات إضافية.

أما عن نصّي بين الأمس واليوم، سأوجز هنا وأقول إنّ النص من يتكلّم عن الشاعر وليس العكس، لي أن أقدّم نصّي، وله أن يمثّلني، ولكم أنتم أن تحاكموه أو تقبلوه أو ترفضوه، أحاول فقط أن أكون على قدر الكتابة التي أراها مسؤولية في المقام الأول فهي لم ولن تكون رفاهية، نحن مسؤولون عن الأثر الذي تتركه كتاباتنا في نفس من يقرأ، ربّما يكون نصّك الّذي تكتبه هو أول شيء يقرأه شابّ أو فتاة، ومن هذا المنطلق ينبغي علينا أن نكون لائقين بما سيدخل إلى عقل أو قلب من يصافحون النصّ.

الزمن يمنحنا التطوّر، وهذا التطوّر نحن من نشكّل عجينته فتكون جميلة أو لا تكون، بالتأكيد يختلف النصّ باختلاف الزمن وباختلاف المكان أيضاً، استفدتُ كثيراً من ثقافة السفر والانتقال ولعلّ هذا من أهم العوامل التي تأخذ النص وصاحبه على مساحات جديدة، وكذلك إلى إعادة تلوين المساحات السابقة برؤية جديدة وأدوات أكثر رشاقة.

باختصار شديد، أنا اليوم لست أنا الذي كنته بالأمس، وكذلك هو نصّي.

قد يعجبك ايضا